أصل البراءة.
ولصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود (١) رأي وهو أنها لم تستعمل هنا إلا «بمعناها اللغوي الحقيقي دون نقله إلى استعمال آخر ، إذ مخالفة الأصل لا يصار إليه إلا عند الضرورة ، ولا ضرورة هنا لأن المعنى مستقيم ، واللفظ في الحقيقة وإن كان يشمل البناء الحسي والعقلي ، إلا أن إضافة الأصل للفقه الّذي هو عقلي صرفته عن الابتناء الحسي ، وقصرته على البناء العقلي» (٢).
وما يراه صدر الشريعة لا يخلو عن وجه ، والظاهر أن هذه المعاني وإن تعددت في بدو النّظر في اصطلاح الفقهاء ، إلا أن رجوعها إلى المعنى اللغوي غير بعيد ، ومنشأ التعدد في ألسنتهم اختلاط المفهوم بالمصداق على الكثير ، مما حملهم على دعوى الاشتراك اللفظي بينها.
وإذا كان ولا بد من دعوى التعدد في مفهومها ، فالذي نراه أعلق بالمفهوم الّذي نريد تحديده للعنوان هو كلمة القواعد ، كما سنشير إلى وجه ذلك فيما بعد.
٢ ـ كلمة الفقه :
ولكلمة الفقه أيضا مدلولان : لغوي واصطلاحي. فمدلولها اللغوي الفهم والفطنة ، ولها في الاصطلاح عدة تعاريف رأينا الأنسب منها بعد تكميل بعضها ببعض فيما يتصل بعنواننا هي : مجموع الأحكام الشرعية الفرعية الكلية أو الوظائف المجعولة من قبل الشارع ، أو العقل عند عدمها. وإذا ضممنا هذين المعنيين إلى ما سبق أن حددناه من كلمة المقارن ، اتضح لنا ما نريد من التعريف لعنوان كتابنا هذا.
__________________
(١) راجع : أعلام الزركلي : ٤ : ١٩٧.
(٢) مباحثات الحكم عند الأصوليين : ٩.