وهذا من الأمور التي تكاد تكون بديهية بين المسلمين فلا تحتاج إلى إطالة حديث ، والظاهر ان النسخ واقع في الكتاب من الكتاب ومن السنة على خلاف في قلة وكثرة الأحكام التي يدعى لها النسخ ، وقد استعرض أستاذنا الخوئي قدس سرّه في كتابه «البيان» كل ما قيل عن الآيات المنسوخة وحاكمه بجهد ولم يجد فيها ما يصلح ان يكون منسوخا الا أقل القليل.
والخلاف الّذي وقع انما هو في إمكان نسخ الأحكام ـ المقطوعة أسانيدها كالأحكام الكتابية والمتواترة من السنة ـ بأخبار الآحاد ، وأكثرية المسلمين على المنع وربما ادعي عليه الإجماع ، وأهم ما لديهم من الشبه هي شبهة ان الظني لا يقاوم القطعي فيبطله ، وهي شبهة عرفت قيمتها في الحديث عن التخصيص لعدم المعارضة بينهما ، لأن الدليل الناسخ لا يزيد على كونه شارحا للمراد من الدليل المنسوخ وقرينة على عدم إرادة الظهور وحاله حال التخصيص ، على ان الخبر وان كان ظنيا في طريقه ، الا أنه مقطوع الحجية للأدلة السابقة ، ومع الغض وافتراض المعارضة فانها في الحقيقة قائمة بين ظنين لا بين قطعي وظني ، أي بين ظنية الدلالة في مقطوع السند وظنية الطريق.
ولعل منشأ الإجماع المدعى أو اتفاق الأكثرية انما هو في وضع حد لما يمكن ان يقع من التسامح في دعوى النسخ وإبطال الأحكام لمجرد ورود خبر ما ، وهو عمل في موضعه وربما استدعته صيانة الشريعة عن عبث المتلاعبين بأحكام الله والوقوف دون تصرفاتهم ، وعلى الأخص وان في الدخلاء على الإسلام من تمثل بصورة القديسين ليتسنى له هدم الإسلام وتقويض قواعده.
٤ ـ رتبة السنّة من الكتاب :
من الكلمات المألوفة على ألسنة كثير من الأصوليين ان رتبة السنّة متأخرة عن رتبة الكتاب في الاعتبار.