عرض خلافهم في نوع الجعل والاعتبار بالنسبة للأحكام الوضعيّة ، وهل هو بالأصالة أو التبع ، ولأهمية هذا البحث وما يترتب عليه من ثمرات فقهية نعرض له بشيء من الحديث.
الأحكام الوضعيّة مجعولة أو منتزعة :
اختلف الأصوليون في كون الأحكام الوضعيّة مجعولة ابتداء أو منتزعة من الأحكام التكليفية ، أي مجعولة تبعا لها.
والتحقيق ان حالها مختلف ، فبعضها مجعولة وبعضها منتزعة.
ولإيضاح كلمة (منتزع) ورفع ما وقع من الالتباس لدى بعض الأعلام في مجال التفرقة بين الأمور الانتزاعية والأمور الاعتبارية نقول : إن الشيء الثابت المتصف بالوجود على ثلاثة أنواع :
١ ـ ما يكون وجوده متأصلا في ظرفه المكاني ، كالجواهر والأعراض.
٢ ـ ما يكون وجوده متأصلا في عالم الاعتبار ، بحيث إذا تجرد عن اعتبار المعتبر لا يبقى له وجود ، كالقيمة النقدية للدنانير والدراهم المسكوكة ، فإنها لا وجود لها في غير عالم الاعتبار.
٣ ـ ما يكون وجوده بوجود منشأ انتزاعه وليس له وجود وراء ذلك ، وهذا على قسمين :
قسم يقع منشأ انتزاعه في عالم الواقع ، ومثاله : الفوقية والتحتية والبنوة والأبوة ، إذ لا وجود لهذه الأمور إلا بوجود الأب والابن ، والفوق والتحت. والثاني يقع منشأ انتزاعه في عالم الاعتبار ، كالسببية والشرطية المنتزعة من بعض القيود التي أخذها الشارع في تكاليفه وأحكامه ، وذلك مثل سببية الدلوك لصلاة الظهر ، والعقد بالنسبة إلى تحقق الملكية به.
وعلى هذا فالفارق بين الأمور الاعتبارية والأمور الانتزاعية فارق جذري ،