لأن الأمور الاعتبارية لها تأصل في الوجود في عالمها بخلاف الأمور الانتزاعية ، إذ لا وجود لها إلا بوجود منشأ انتزاعها ، وهي مجعولة في الأمور الاعتبارية تبعا لها.
والخلاف بعد ذلك واقع في ان الأحكام الوضعيّة متأصلة في الجعل ، أو أنها تابعة للأحكام التكليفية ومنتزعة منها.
والظاهر أن بعضها متأصل بالجعل كالملكية والزوجية ، وليست هي منتزعة من الأحكام المترتبة عليها ، كحلّية التصرف وجواز التمتع بالزوجة ـ كما ذهب إلى ذلك بعض الأعلام ـ لوضوح انها متأخرة في الرتبة عنها تأخر الحكم عن موضوعه ، ومن المستحيل انتزاع المتقدم من المتأخر للزوم الخلف أو الدور.
وبعضها منتزع منها كالسببية ، والشرطية ، والعلية (١) ، والمانعية ، بالنسبة إلى التكاليف المقيدة بوجود شيء فيها أو في متعلقاتها ، فمن تعلقها بوجود الشيء ننتزع السببية أو العلية أو الشرطية على اختلاف في كيفية التعلق ، ومن تقييدها بعدمه ننتزع المانعية له.
وإذا صح كونها من الأمور المنتزعة ، فإن اعتبارها بالطبع يكون تبعا لاعتبار منشأ انتزاعها وليس له وجود مستقل.
ولقد أنكر صاحب الكفاية كون الشرطية أو المانعية أو السببية بالنسبة إلى التكليف قابلة للجعل التشريعي ، لكونها مجعولة بالجعل التكويني تبعا لجعل موضوعها.
وفيما ذكره «خلط بين الجعل والمجعول ، فإن ما ذكره صحيح بالنسبة إلى أسباب الجعل وشروطها من المصالح ، والمفاسد ، والإرادة ، والكراهة ، والميل ، والشوق ، فإنها أمور واقعية باعثة لجعل المولى التكليف ومبادئ له ، وليست قابلة للجعل
__________________
(١) سيأتي في باب القياس تحديد المراد من هذه المصطلحات تفصيلا ، فراجعه.