الاختلاف في تحديد العقل :
والحديث حول العقل واعتباره من القواعد التي يستند إليها المجتهدون في مجالات استنباط أحكامهم كثر لدى الأصوليين ، إلا أنه لم يتحدد المراد منه عند الجميع.
وكلماتهم في ذلك مختلفة جدا ، وفي بعضها خلط بين العقل كمصدر للحجية في كثير من الأصول المنتجة للحكم الشرعي الفرعي الكلي أو الوظيفة ، وبين كونه أصلا بنفسه يصلح أن يقع كبرى لقياس استنباط الأحكام الفرعية الكلية كالكتاب والسنة على حد سواء.
وقد عقدت في كتب بعض الشيعة والسنّة أبواب لما أسموه بدليل العقل ، وعند فحص هذه الأبواب تجد المعروض فيها التماس العقل كدليل على ما ينتج الوظائف أو الأحكام الظاهرية ، أي أنك تجده دليلا على الأصل المنتج ، لا أنه بنفسه أصل منتج لها.
يقول الغزالي في مبحث دليل العقل ، وهو الأصل الرابع لديه : «دل العقل على براءة الذّمّة عن الواجبات وسقوط الحرج عن الخلق في الحركات والسكنات قبل بعثة الرسل عليهمالسلام ، وتأييدهم بالمعجزات ، وانتفاء الأحكام معلوم بدليل العقل قبل ورود السمع ، ونحن على استصحاب ذلك إلى أن يرد السمع» (١).
فالعقل عنده هنا من الأدلة على البراءة ، وهي أصل منتج للوظيفة ، فهو دليل على الأصل لا دليل على الوظيفة مباشرة.
__________________
(١) المستصفى : ١ ـ ١٢٧.