وقد سبق منا حديث في بحوث التمهيد ، يبرر وضع الاستصحاب في المرحلة التالية للأصول الكاشفة عن الحكم الواقعي ، والمرحلة السابقة على الأصول غير الإحرازية.
الاستصحاب ووجوب الفحص :
وما دمنا قد عرفنا رتبة الاستصحاب من الأمارات ، فليس لنا ان نأخذ به ما لم نفحص عن الأمارة الكاشفة عن الحكم ، أي عن الرتبة السابقة له.
وقد استدل على وجوب الفحص بأدلة كثيرة أهمها ـ فيما نعتقد ـ ثلاثة وهي :
١ ـ وجود العلم الإجمالي بوجود تكاليف إلزامية من الشارع ووجود طرق مجعولة إليها من قبله ، ومع قيام العلم الإجمالي لا يجوز الرجوع إلى الأصول ـ إحرازية أو غير إحرازية ـ في أطرافه ، وهذا ما يوجب الفحص وحل العلم الإجمالي بما يعثر عليه منها ، والرجوع بالباقي إلى الأصول.
وأشكل عليه في الكفاية بما مضمونه ان العلم الإجمالي يمكن حله بالعثور على مقدار المعلوم بالإجمال منها ، ومقتضى ذلك هو الرجوع في الباقي إلى الأصل من دون حاجة إلى فحص عنه.
وأجاب المحقق النائيني عن الإشكال المذكور بأن المعلوم بالإجمال في المقام بما أنه ذو علامة وتميز ، فهو غير قابل للانحلال بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال ، لأن الواقع قد تنجز بما له من تميز ، فكيف يعقل انحلاله قبل الفحص؟ وتكاليفنا المعلومة بالإجمال نعلم بثبوتها بالكتب المعتمدة فهي ذات تميز خاص ، ولا ينحل العلم الإجمالي إلا بفحصها ، وإخراج الطرف المشكوك عن المعلوم المنجز بالفحص واليأس عن العثور على حكمه فيها والرجوع إلى الأصل.
وأشكل عليه بكون التكاليف الموجودة في الكتب والمعلومة إجمالا هي نفسها مرددة بين الأقل والأكثر ، فإذا ظفرنا بالمقدار المتيقن لم يكن مانع من الرجوع إلى