البراءة هو نفي العذاب الأخروي ، ومن الواضح ان نفي أحدهما لا يستلزم نفي الآخر.
والجواب على هذه الشبهة يتضح مما ذكرنا في الجواب على الشبهة السابقة ، فإن لفظة «ما كنا» تستدعي نفي الاستحقاق ، وهو أعم منهما بالإضافة إلى إمكان استفادة نفي العذاب الأخروي قبل قيام الحجة بقياس الأولوية ، لأن الله سبحانه إذا تنزه عن تعذيب عبيده في دار الدنيا ، وهو عذاب يخف تحمله بالنسبة إلى العذاب الأخروي ، فتنزهه عن إيقاع العذاب الأشد من باب الأولى.
والحق ان الآية من أقوى ما يستدل به على البراءة.
أدلتهم من السنة :
وهي كثيرة جدا نجتزئ بذكر بعضها :
١ ـ حديث الرفع :
وقد روي بسند جامع لشرائط الصحة «عن حريز ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : رفع عن أمتي تسعة : الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة» (١).
وقد قربت دلالته بأن أحكام الشارع على اختلافها ، من وضعية وتكليفية ، لما كان أمر رفعها ووضعها بيده ، وان بوسعه ان يضع الحكم الإلزاميّ في حالتي العلم والجهل ، أي ان يضع الحكم الواقعي والظاهري على المكلفين كما ان بوسعه ان يرفعهما عنه ، فإن هذا الحديث جاء للتعبير عن رفع الشارع الحكم الإلزاميّ في حال الشك ، وليست هناك أية منافاة بين رفع الحكم عند الجهل به وبقائه واقعا كما
__________________
(١) بحار الأنوار : ٢ : ٢٨٠ ، الحديث : ٤٧ ، من لا يحضره الفقيه : ١ ـ ٥٩ ، الحديث ١٣٢ وفيه : «وضع عن أمتي ...» راجع الدراسات : ٣ ـ ١٤٢.