فغلو الطوفي في استعمال المصالح المرسلة وتقديمها على النصوص والإجماع لا يستقيم أمره بحال.
نفاة الاستصلاح وأدلتهم :
أما نفاة الاستصلاح ـ وفي مقدمتهم الشافعي ـ فأهم ما استدلوا به :
١ ـ إيمانهم بكمال الشريعة واستيفائها لحاجات الناس «ولو كانت مصالح الناس تحتاج إلى أكثر مما شرعه ومما أرشد إلى الاهتداء به لبيّنه ولم يتركه ، لأنه سبحانه قال علي سبيل الاستنكار : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً)(١)» (٢). والجواب على هذا الاستدلال : ان مثبتي الاستصلاح لا ينكرون وفاء الشريعة بحاجات الناس وان أنكروا وفاء النصوص بها ، فهم يعتبرون العقول من وسائل إدراكها كالنصوص على حد سواء ، واهتداء العقول إليها انما هو بهداية من الله عزوجل لها ، فالعقول اذن كاشفة وليست بمشرعة.
٢ ـ ما يستفاد من قول الغزالي وهو يرد على من يريد الاعتبار الاستصلاح أصلا خامسا : «من ظن انه أصل خامس فقد أخطأ لأنا رددنا المصلحة إلى حفظ مقاصد الشرع ، ومقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع ، فكل مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصود فهم من الكتاب والسنة والإجماع وكانت من المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرفات الشرع فهي باطلة مطروحة ، ومن صار إليها فقد شرع ، كما ان من استحسن فقد شرع ، وكل مصلحة رجعت إلى حفظ مقصود شرعي علم كونه مقصودا بالكتاب والسنة والإجماع فليس خارجا من هذه الأصول ، لكنه لا يسمى قياسا بل مصلحة مرسلة ، إذ القياس أصل معين ، وكون هذه المعاني مقصودة عرفت لا بدليل واحد ، بل بأدلة كثيرة لا حصر لها من
__________________
(١) سورة القيامة : الآية ٣٦.
(٢) مصادر التشريع : ص ٧٨.