(١)
ذكرنا في التمهيد الأول أن من أصول المقارنة وركائزها الأساسية ان يحيط المقارن بأصول الاحتجاج.
ومن أصول الاحتجاج وأولياته ان يتعرف المقارن أو غيره ـ ممن يريد الموازنة والحكم في أية قضية كانت ـ على القضايا الأولية والقضايا المسلمة لدى كل من يريد الاحتجاج عليهم ، ليكون في الانتهاء إلى هذه الأوليات أو المسلمات فصلا في القول وإلزاما في الحجة ، ومع عدم التعرف عليها لا يمكن الفصل في أية مسألة ، لإصرار كل من الفريقين على وجهة نظره الخاصة ، وكل قضية لا تنتهي إلى هذه الأوليات أو المسلمات تبقى معلقة ويتحول الحديث فيها من عالم الموازنة والتقييم إلى عالم تاريخ المباني والتعرف على وجهات النّظر فحسب ، كما هو الشأن في عالم الاستظهارات ودعاوى الانصراف والتبادر المختلف فيها.
وقد يكون من نافلة القول ان نؤكد على أن فقهاء المسلمين وفلاسفتهم على الإطلاق يعتبرون هذه القضايا الأساسية لكل احتجاج من البديهيات أو المسلمات ، وهي القضايا التي يتمثل بها :
١ ـ مبدأ العلية والمعلولية ، بما فيها من امتناع تقدم المعلول على العلة وتأخرها عنه أو مساواتها له في الرتبة ثم امتناع تخلفه عنها ، فحيثما توجد العلة التامة يوجد المعلول حتما.
٢ ـ مبدأ استحالة التناقض اجتماعا وارتفاعا مع توفر شرائط الاتحاد