والسر فيه ما قلناه من ان تكاليف الشارع انما هي وليدة مصالح ومفاسد ، ولا يلزم ان يكون المتلازمان متشابهين في مصالحهما ليتماثلا في الحكم ، على ان ترك الضد ليس مقدمة لوجود الضد الآخر لكونه في رتبته ، وتوقف أحدهما على الآخر يستدعي تقدم الموقوف عليه على الموقوف رتبة ، فلو قلنا بوجوب المقدمة تبعا لذيها ، فإنا لا نقول به هنا لعدم المقدمية بين فعل الشيء وترك ضده ، نعم هما ـ أعني الضدين ـ متمانعان في الوجود.
وخلاصة الجواب :
أولا : إنكار دعوى ان النهي عن الشيء يقتضي الأمر بضده ، لجواز ان لا تكون في الضد مصلحة تستدعي مثل ذلك الأمر.
وثانيا : إنكار ان يكون فعل الضد الخاصّ مقدمة لترك ضده المحرم ، لعدم المقدمية بين المتحدين رتبة ، وما دام أحد الضدين في رتبة الآخر ، وكل ضد هو في رتبة عدمه ، فلا بدّ ان ينتج ان كل ضد هو في رتبة عدم ضده ، وطبيعة المقدمية تستدعي تقدما في الرتبة على ذيها تقدم العلة على المعلول ، فمع عدم المقدمية تنتفي شبهة وجوب المقدمة المباحة من أصلها.
وثالثا : إنكار وجوب المقدمية لو سلمت لنفس السبب الّذي ذكرناه من عدم وجود المصلحة الملزمة في المباح.
وإذا كان الغرض من الوجوب المقدمي هو جعل الداعي في نفس المكلف لامتثال ذي المقدمة ، فإن أمر ذي المقدمة كاف في جعل الداعي لامتثاله إن كان المكلف في مقام إطاعة أوامر مولاه ، وإن لم يكن في مقام الإطاعة فالأمر بالمقدمة لا يضيف إليه شيئا أصلا ، فالشبهة الكعبية اذن شبهة لا تستند على أساس متين.
رأي الأحناف في تقسيم الأحكام التكليفية :
ذكرنا رأي المسلمين ـ ما عدا الأحناف ـ في تقسيم الحكم التكليفي. أما