والحقيقة أن هذا التقسيم أشبه بتقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره ، وما أحسن ما صنعه الأستاذ خلاف حين عدّ هذه الأقسام الأربعة في فصل عهد التقليد من كتابه «خلاصة التشريع الإسلامي» وإن كان قد أطلق كلمة الاجتهاد عليهم تسامحا (١).
اجتهاد الشيعة مطلق أو منتسب :
من رأي أبي زهرة ان اجتهاد الشيعة ليس من قبيل الاجتهاد المطلق ، وإنما هو من قبيل الاجتهاد المنتسب لاعتقاده بأنه «رسمت له المناهج من بيان أحكام النسخ والعموم ، وطريق الاستنباط والتعارض بين الاخبار وحكم العقل ، وإن لم يكن نصّ ، وكل هذا يقتضي ان يطبق في اجتهاده لا أن يرسم ويخطط ، فهو يسير في اجتهاده على خط مرسوم لا يعدوه ولا يبتعد عنه يمنة ولا يسرة ، وبهذا النّظر يكون في درجة المجتهد المنتسب» (٢).
ويرد على هذا الرّأي الّذي تبناه ـ وربما شاركه فيه غيره من الأعلام ـ ما ينطوي عليه من تغافل عن وظيفة الإمامة لدى الشيعة ، فالذي يبدو أن الأستاذ أبا زهرة كان يرى في أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، انهم مجتهدون في كل ما يأتون به من أحكام ، وحسابهم حساب بقية أئمة المذاهب ، مع ان الشيعة لا يرون في أئمتهم ذلك ، وإنما يرونهم مصادر تشريع يرجع إليها لاستقاء الأحكام من منابعها الأصيلة ، ولذلك اعتبروا ما يأتون به من السنة ، وقد سبق أن عرضنا أدلتهم على ذلك في (مبحث السنة) فهم من هذه الناحية كالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والفارق أن النبي يتلقى الوحي من السماء ، وهؤلاء يتلقون ما يوحى به إلى النبي من طريقه صلىاللهعليهوآلهوسلم وهم منفردون بمعرفة جميع الأحكام.
__________________
(١) راجع : ص ٣٢٤ وما بعدها من هذا الكتاب.
(٢) الإمام الصادق : ص ٥٤٠.