الاجتهاد المطلق لا يلتئم مع الواقع الّذي سبق ان ذكرناه من ان الاجتهاد ملكة لا توجد لصاحبها إلا بعد حصوله على تلكم الخبرات والتجارب ، ومعرفتها معرفة تفصيلية ، أو كما قلنا ان الاجتهاد في الحقيقة لا يعدو الاجتهاد في أصول الفقه مع توفر بقية المقدمات ، وهو مناط جملة أحكامه الآتية من حرمة التقليد بالنسبة إلى المجتهد ونفوذ قضائه ، وجواز رجوع الغير إليه في التقليد أو لزومه أحيانا.
ومن الواضح ان المجتهد المقيد ليس مصداقا للمجتهد بهذا المفهوم ، لعدم حصول المعرفة التفصيلية لأصول الفقه لديه واجتهاده فيها.
إذ مع اجتهاده فيها وقيام الحجة لديه عليها ، كيف يسوغ له التقيد بأصول مذهبه والسير ضمن إطاره الخاصّ ، وربما اختلف مع إمام المذهب في أصل من الأصول ، وكان لديه مما لا يصلح الاحتجاج به؟ وما الّذي يصنعه إذ ذاك؟ أيخالف إمام مذهبه فيخرج عن الانتماء إلى ذلك المذهب أم يخالف رأيه فيعمد إلى العمل بغير حجة؟
٣ ـ ان جميع ما ذكروه للاجتهاد من تعاريف لا ينطبق على أي قسم من أقسام المقيد ، لأخذهم العلم أو الظن بالحكم الشرعي أو الحجة عليه على اختلاف في وجهة النّظر في مفهومه.
والمجتهد المقيد بأقسامه الأربعة لا ينتهي باستنباطه ـ إن صح إطلاق كلمة الاستنباط على عمل قسم منهم ـ إلى الحكم الشرعي ، وغاية ما ينتهي إليه هو رأي إمامه فعلا أو تقديرا في كون ما انتهى إليه حكما شرعيا ـ بحكم ما أعمل من قواعد هذا الإمام وأصوله.
أما العلم أو الظن بكونه حكما شرعيا أو وظيفة كذلك ، فإن هذا لا يحصل إلا لمن قامت لديه الحجة التفصيلية على ذلك ، وهي لا تكون إلا لإمام ذلك المذهب نفسه ، لا للمستنبط وفق قواعده وأصوله.