ونسبة ما دلّ على حجية الظواهر إلى الأدلة الرادعة عن النوعين معا هي نسبة العموم والخصوص من وجه ، لأن الأدلة الرادعة تشمل القياس المنصوص العلة ومستنبطها ، وأدلة حجية الظواهر تشمل القياس المنصوص العلة وغير القياس ، فمورد الاجتماع هو القياس المنصوص على علته ، ومقتضى القاعدة التعارض والتساقط فيه ثم الرجوع إلى أصالة عدم الحجية ، لأن الشك في الحجية كاف للقطع بعدمها ، كما سبق القول فيه.
ولكن التعارض إنما يتم إذا لم يمكن الأخذ بالدليلين معا وتم تدافعهما في مورد الاجتماع ، أما إذا أمكن الأخذ بهما فلا مجال للتعارض والتساقط.
والّذي أعتقده أنه لا تدافع بين هذين النوعين من الأدلة ، لأن القياس المنصوص العلة إن قلنا بأنه ليس بقياس ، كما ذهب إلى ذلك كثير من الأعلام ، كان خارجا عن موضوع الأدلة الرادعة عنه على نحو التخصص.
وإن قلنا إنه من القياس فلا بدّ من صرف الأدلة الرادعة إلى غيره ، بل لا يمكن أن تكون متناولة له كما يدل على ذلك ما في بعضها من التعليل بأن دين الله لا يصاب بالعقول ، إذ مع فرض كون العلة مستفادة من النص لظهوره فيها ، يكون المشرع هو الّذي دل عليها لا ان العقول أصابتها بمنأى عنه ، كما أن ما في بعضها الآخر من القول بأن «السنة إذا قيست محق الدين» ظاهر في ذلك ، إذ لا معنى لئن تمحق السنة نفسها ، إذ المفروض أنها هي التي صرحت بالعلل أو كانت ظاهرة فيها ، فلا بدّ أن تكون واردة في خصوص ما لم تدلنا هي على علله ، بل كان الدليل عليها هو عقولنا التي أثبتت لها هذه الروايات في الجملة العجز والقصور.
المسالك التي لم يقم عليها دليل قطعي :
وهي المسالك إلى العلة من طريق الاستنباط بوسائله التي عرضناها سابقا كالسبر ، والتقسيم ، وإثبات المناسبة ، وسلامة العلة عن النقيض ، واطراد العلة ،