ويحك يقوم لك قياسك؟ اتق الله ولا تقس الدين برأيك» (١).
هذه الرواية مع تتمتها منصبة على الردع عن نوعي القياس ، فمن استشهاده بقياس إبليس ـ وهو الّذي تمرد على الأمر بالسجود لأنه على خلاف قياسه لتخيله أن الأمر بالسجود يقتضي ان يبتنى على أساس التفاضل العنصري ، وخطّأ الحكم الشرعي على هذا الأساس لاعتقاده بأنه أفضل في عنصره من آدم لكونه مخلوقا من نار وهو مخلوق من طين ـ أقول : من هذا الاستشهاد ندرك الردع عن النوع الثاني من القياس ، كما أن رواية أبان السابقة منصبة في ردعها على هذا النوع بقرينة تكذيبه للحديث ونسبة مضمونه إلى الشيطان ، لأنه ورد على خلاف قياسه ، وهذا النوع هو الّذي يشكل الخطر على الدين لفسحه المجال للتلاعب بالشريعة ومسخ أحكامها باسم مخالفة القياس. ومن الطبيعي ان يقف منه أهل البيت عليهمالسلام وبخاصة الإمام الصادق عليهالسلام الّذي انتشر هذا النوع من القياس على عهده موقفهم المعروف ، والحق كما يقول الإمام عليهالسلام : (ان السنة إذا قيست محق الدين) وقد سبق أن قلنا في مبحث العقل : أن مسرحه في إدراك علل الأحكام محدود جدا ، ففتح الباب له على مصراعيه يشكل الخطر العظيم على الشريعة ، وهذا معنى قول الإمام عليهالسلام : (إن دين الله لا يصاب بالعقول) أي ما ثبت أنه دين لا يمكن ان تدرك جميع علله العقول.
والشق الثاني من الرواية ـ ولعلها رواية أخرى ـ وهي التي تكفل ذكرها ابن شبرمة ، منصب على تعجيز العقل عن التعرف على علل الأحكام بعيدا عن الشرع كما يتضح من النقوض التي ذكرها الإمام عليهالسلام عليه ، وهو الّذي يناسب القياس بالمعنى الأول ، ونظائر هذه الرواية كثيرة ، وهي معروضة في جلّ كتب الأصول الشيعية الباحثة عن القياس.
__________________
(١) حلية الأولياء : ٣ ـ ١٩٧.