المتناهيين ، والدين أيسر وأسمح من أن يكلف الأمة بمثل هذه التكاليف : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١).
٣ ـ منافاته لجميع الأدلة القادمة على جواز التقليد ، وهي أقوى منه وأصرح. وما أدري ما يصنع الناس ـ على رأي هؤلاء الأعلام قبل بلوغهم مراتب الاجتهاد ـ؟ أيلزمون بالتقليد وهو محظور عليهم كما هو الفرض ، أو يعملون بالاحتياط؟! وربما كانوا لا يعرفون موارده أو لا يرون جوازه أو لم يمكن ، كما في دوران الأمر بين المحذورين.
والّذي أتصوره ان هذه الدعوى لم يرد بها ظاهرها ، وربما أرادوا بها لزوم الاجتهاد عينا في أصل مسألة جواز التقليد حذرا من الدور أو التسلسل. وهذا حق لو صح إطلاق كلمة الاجتهاد على الأمور البديهية. وقد قلنا في تعريف الاجتهاد : انه لا يطلق إلا على ما كان فيه جهد وبذل وسع. والعامي هنا لا يحتاج إلى بذل أي جهد ليدرك لزوم رجوع الجاهل إلى العالم ، وهو يعيشه بواقعه العملي ويصدر عنه في كل يوم.
حجية جواز التقليد :
وحجية جواز التقليد تكاد تكون بديهية ، كما أشرنا إليها ، إما لكونها فطرية جبلية ، كما يعبر صاحب الكفاية رحمهالله (٢) ، أو لأن بناء العقلاء قائم عليها ، بل لا يمكن ان يستقيم نظام بدونها ككل ، لأن وجودها ضرورة لازمة لطبيعة المجتمعات ، وإلا فما أظن ان مجتمعا من المجتمعات ، مهما كانت قيمته الحضارية ، يستطيع ان ينهض أفراده بالاستدلال بالمعرفة التفصيلية لكل ما يتصل بحياتهم دون ان يكون فيهم علماء وجهال ليرجع جهالهم إلى علمائهم على نحو يكون كل منهم ـ مثلا ـ
__________________
(١) سورة الحج : الآية ٧٨.
(٢) كفاية الأصول ٥٣٩ ط. جامعة المدرسين ـ قم.