الورود :
أما الورود ، فالمراد به الدليل النافي للموضوع وجدانا ، ولكن بتوسط تعبد شرعي ، ومثاله ما ورد عن الشارع من قوله : «رفع عن أمتي ما لا يعلمون» (١). ولسانه لسان المؤمّن للعبد فيما لو ترك التكليف المشكوك ولم يأت به مع عجزه عن الوصول إليه بالأدلة الاجتهادية المنجزة له ، فلو ترك استنادا إلى هذا الحديث فانه لا يحتمل الضرر ، فالقاعدة العقلية القائلة ب «وجوب دفع الضرر المحتمل» لا يبقى لها موضوع إذ لا احتمال للضرر مع وجود المؤمّن الشرعي.
فسمة حديث الرفع إلى هذه القاعدة سمة الوارد عليها ، المزيل لموضوعها وجدانا ، ولكن بواسطة التعبد الشرعي.
والفارق بينه وبين التخصص : ان التخصص خروج موضوعي وجداني ، ولكن لا بتوسط تعبد من الشارع ، والورود خروج موضوعي وجداني ، ولكن بواسطة تعبد الشارع ، فلو لم يأت حديث الرفع كان احتمال الضرر موجودا ، وكان حكمه العقلي بلزوم دفعه قائما أيضا ، ولكن التعبد الشرعي أزال الاحتمال وجدانا فأزيل معه حكمه تبعا لذلك ، كما أن الفارق بينه وبين الحكومة واضح ، فالحكومة وإن كان لسان بعضها لسان نفي الموضوع ، إلا أن نفيها له نفي تعبدي لا وجداني ، فقول الشارع : «لا ضرر ولا ضرار» (٢) وان كان فيه نفي للموضوع تعبدا ، إلا أن نفيه التعبدي لم يؤثر على بقائه الوجداني ، فالضرر الخارجي قائم وإن نفاه الشارع لنفي آثاره الشرعية بخلاف الورود ، فإن قيام المؤمّن الشرعي ينفي احتمال الضرر وجدانا ، ولعل لنا تفصيلا أوسع في كيفية الجمع بين الأدلة على اختلافها يأتي في مبحث الاستحسان. وفي حدود ما عرضناه هنا كفاية لإيضاح
__________________
(١) أصول الكافي : ٢ ـ ٤٦٣ ، الحديث : ٢ ، بلفظ «وضع عن أمتي ...».
(٢) فروع الكافي : ٥ ـ ٢٨٠ ، الحديث : ٤.