ما كان بدعا من العصور ولا مجتمعة بدعا من المجتمعات ليبتعد عن تمثل وشيوع هذه الظاهرة ، فهي بمرأى من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتما ـ ولو ردع عنها لكان ذلك موضع حديث المحدثين ، وهو ما لم يحدّث عنه التأريخ ، فعدم ردع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عنها يدل على رضاه وإقراره لها وبخاصة وهو قادر على الردع عن مثلها وليس هناك ما يمنعه عنه.
ودعوى الردع عنها بالآيات الناهية عن العمل بالظن يرد عليها ما سبق ان أوردناه في مبحث السنة عند ما تحدثنا عنها وحسابها نفس الحساب.
٢ ـ وجوب العمل بالظن :
وهو ما استدل به البعض بدعوى انه «من المقرر ان العمل بالظن واجب ، ويغلب الظن ببقاء الشيء على ما كان ما دام لم يوجد ولم يطرأ ما يغيره ويزيله» (١).
والمناقشة في هذا الدليل واقعة صغرى وكبرى.
أما الصغرى فلأن الظن لا يتحقق دائما ببقاء الشيء لمجرد عدم طروّ ما يغيره ، فالشخص الّذي يترك بلده ثمانين حولا لا يظن ببقائه حيّا عادة لا بالظن الشخصي ولا النوعيّ ، مع انه لم يعلم بوجود ما يوجب انعدام حياته وما أكثر صور الاستصحاب التي لا يتحقق فيها ظن بالحالات السابقة.
وأما الكبرى ـ أعني دعوى ان العمل بالظن واجب ـ فهي لا مستند لها أصلا ، وحالها يتضح مما عرضناه في مباحث التمهيد من ان الظن من الطرق غير الذاتيّة لنقصان كشفه ، وما كان غير ذاتي فهو محتاج إلى الجعل ، وليس عندنا من الأدلة ما يجعل الطريقية لمطلق الظنون ، اللهم إلا إذا تمت مقدمات دليل الانسداد ـ وهي
__________________
(١) سلم الوصول : ص ٣٠٨.