جرى عليه الناس هو ترتيب الأثر على الحالة السابقة حتى مع الظن بالخلاف أحيانا ، كما هو الشأن في الأمثلة التي مرت علينا الآن.
والّذي يبدو لي ان الاستصحاب من الظواهر الاجتماعية العامة التي ولدت مع المجتمعات ودرجت معها ، وستبقى ـ ما دامت المجتمعات ـ ضمانة لحفظ نظامها واستقامتها ، ولو قدر للمجتمعات ان ترفع يدها عن الاستصحاب لما استقام نظامها بحال ، فالشخص الّذي يسافر مثلا ويترك بلده وأهله وكل ما يتصل به لو ترك للشكوك سبيلها إليه ـ وما أكثرها لدى المسافرين ـ ولم يدفعها بالاستصحاب ، لما أمكن له ان يسافر عن بلده ، بل ان يترك عتبات بيته أصلا ، ولشلت حركتهم الاجتماعية وفسد نظام حياتهم فيها ، فقول شيخنا النائيني : «ان عملهم على طبق الحالة السابقة إنما هو بإلهام إلهي حفظا للنظام» (١) لا يخلو من أصالة وعمق نظر ، ومناقشته بأن منكري حجية الاستصحاب لم يختل النظام عليهم بعد ، ولو كان حفظ النظام يقتضي ذلك لاختل على المنكرين ، تحتاج إلى تأمل ، فالمنكرون لحجية الاستصحاب عند ما أنكروها لم يتخلوا في واقع حياتهم عن الجري على وفق الاستصحاب وإن تخلو عنه في الشرعيات.
وكونه ظاهرة اجتماعية يصدر عنها الناس في مجتمعاتهم حتى مع الشك صدورا تلقائيا ـ كما هو الشأن في الظواهر الاجتماعية ـ لا ينافي ان يلتقي أحيانا الرجاء أو الاحتياط أو الظن بالبقاء أو الاطمئنان أو غيرها ، لكن هذه الأمور ليست هي الباعثة على خلق هذه الظاهرة ككل ، وإنما هي من وسائل التبرير عن السلوك على وفقها في بعض الأحيان ، مما يخيل للإنسان الفرد ان جملة تصرفاته منطقية ومبررة.
وإذا صح ما ذكرناه من كونها من الظواهر الاجتماعية العامة ، فعصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١) راجع : مصباح الأصول : ص ١١.