مجرد تساوي الأصل والفرع في العلة» (١).
وما أدري كيف تكون عملية الاستنباط من الدليل هي الدليل نفسه مع أنها متأخرة في الرتبة عنه؟ والظاهر أن منشأ ما ذهب إليه اختلاط مفهوم الدليل عليه بكيفية الاستفادة منه وعدم التفرقة بينهما ، فاستكشاف حكم الفرع إنما يكون من مساواتهما واقعا في العلة لا من تسويتنا لهما فيها.
هذا كله في القياس الّذي يدخل ضمن ما يصلح للدليلية ، وهو الّذي يدار عليه الحديث لدى المتأخرين.
اصطلاح آخر في القياس :
وهناك اصطلاح آخر للقياس ، شاع استعماله على ألسنة أهل الرّأي قديما ، وفحواه : التماس العلل الواقعية للأحكام الشرعية من طريق العقل ، وجعلها مقياسا لصحة النصوص التشريعية ، فما وافقها فهو حكم الله الّذي يؤخذ به ، وما خالفها كان موضعا للرفض أو التشكيك.
وعلى هذا النوع من الاصطلاح ، تنزل التعبيرات الشائعة : ان هذا الحكم موافق للقياس وذلك الحكم مخالف له.
وقد كان القياس بهذا المعنى مثار معركة فكرية واسعة النطاق على عهد الإمام الصادق عليهالسلام وأبي حنيفة (٢) ، وستأتي الإشارة إليها في موضعها من هذه الأحاديث ، وعلى أساس من هذا المصطلح ألّفت كتب للدفاع عن الشريعة وبيان أن أحكامها موافقة للقياس أي موافقة للعلل المنطقية ، وفي رسالة (القياس في الشرع الإسلامي) لابن القيم وابن تيمية مثل على ذلك ، ولكن هذا المصطلح
__________________
(١) مصادر التشريع فيما لا نصّ فيه : ص ١٩.
(٢) عرضنا لهذه المعركة الفكرية مفصلا في محاضراتنا عن (تاريخ التشريع الإسلامي) الملقاة على طلاب السنة الثالثة في كلية الفقه. (المؤلف).