وقد استدل صاحب الكفاية بعدم اختصاص أدلة المدارك بالمتصف بالاجتهاد المطلق ، وأضاف الحجة الرشتي على ذلك بأنه «كيف يرفض ظنه ويأخذ بظن المجتهد المطلق مع انه يخطئه في ظنه؟ وهل هذا إلا رجوع العالم إلى الجاهل؟» (١).
والحقيقة انه بعد تسليم إمكان التجزي ووقوعه لا يبقى مجال للقول بعدم الحجية لنفس ما قلناه سابقا من أنه بعد فرض الالتزام بكونه عالما بما قامت عليه الحجة ، كيف يمكن ان يقال له : ان علمك ليس بحجة عليك ، مع ان الحجية من لوازم العلم القهرية؟
والّذي يظهر من إطلاق الاتفاق في كلمات الغزالي ان عدم جواز رجوعه إلى الغير مطلقا مفروغ عنه ، يقول في المستصفى : «وقد اتفقوا على انه إذا فرغ من الاجتهاد وغلب على ظنه حكم ، فلا يجوز له ان يقلد مخالفه ويعمل بنظر غيره ويترك نظر نفسه» (٢). وكذلك الآمدي (٣).
٢ ـ جواز إفتائه على وفق ما يرتئيه وعدمه :
أما جواز إفتائه على وفق ما وصل إليه من رأي ، فهو أيضا لا يقتضي ان يكون موضعا لإشكال ، لما تقدم بيانه من ان من لوازم الحجية العقلية جواز نسبة مؤدى ما قامت عليه إلى مصدرها من شارع أو عقل. وليس المراد من الفتوى إلا الإخبار عما يراه من حكم أو وظيفة.
والظاهر أن جميع ما ورد من الأدلة على جواز الإفتاء يكون من قبيل الإرشاد إلى هذا اللازم العقلي ، إذ مع فرض كونه من اللوازم العقلية للحجية لا يكون قابلا للوضع أو الرفع.
__________________
(١) الكفاية وشرحها للشيخ الرشتي : ٢ ـ ٣٥١.
(٢) المستصفى : ٢ ـ ١٢١.
(٣) أحكام الأحكام : ٣ ـ ١٥٨.