والقول بأن مدح الشارع ثوابه وذمه عقابه لا أعرف له وجها ، فمدحه وذمه باعتباره سيد العقلاء شيء ، وباعتباره مشرعا شيء آخر ، فالأوّل لا يتوقف على وصول حكمه بخلاف الثاني ، إذ الثواب والعقاب موقوف على وصوله وامتثاله أو عصيانه ، ولا يكتفى فيه بصدور الفعل وعدمه.
رأي المعتزلة :
والمعتزلة في الوقت الّذي اتفقوا فيه على أن للأفعال في أنفسها حسنا وقبحا اختلفوا في كونهما ذاتيين فيها أو لصفة عارضة عليها ، فالذي عليه قدامي المعتزلة هو الأول منهما. وذهب الجبائية ـ وهم أتباع أبي علي الجبائي ـ إلى الثاني ، وقد عرفت من مناقشة الأشاعرة وجه الحق في المسألة ، فقد ذكرنا أن إدراكنا للشيء بأنه مما ينبغي ان يفعل أو لا ينبغي يختلف باختلاف مناشئه من حيث العلية والاقتضاء وعدمهما ، وان كلاّ من القولين هنا له منشأ سليم ولكن لا على سبيل الموجبة الكلية ، وانما يصدقان على سبيل الموجبة الجزئية فقط.
أقسام الحسن والقبح عندهم :
ولقد قسموا الحسن والقبح من حيث نوعية الإدراك إلى أقسام ثلاثة :
١ ـ «ما يدرك بضرورة العقل كحسن إنقاذ الغرقى والهلكى ، وشكر المنعم ، ومعرفة حسن الصدق وكقبح الكفران ، وإيلام البريء ، والكذب الّذي لا غرض فيه» (١).
٢ ـ «ما يدرك بنظر العقل كحسن الصدق الّذي فيه ضرر ، وقبح الكذب الّذي فيه نفع» (٢).
__________________
(١) المستصفى : ١ ـ ٣٦.
(٢) المصدر السابق.