وهذا التعريف قريب من تعريفنا السابق عدا مؤاخذات شكلية لا تستحق التنبيه عليها.
الاجتهاد المتجزئ :
وقد عرفه في الكفاية بقوله : «ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام» (١).
وربما أوضح كلام الغزالي في المقام ما يمكن ان يراد به من أمثال هذا التعريف حيث قال ـ بعد ان استعرض العلوم التي يراها ضرورية للمجتهد ، وهي قريبة في بعض خطوطها مما ذكرناه في معدات الاجتهاد ـ : «واجتماع هذه العلوم الثمانية إنما يشترط في حق المجتهد المطلق الّذي يفتي في جميع الشرع.
وليس الاجتهاد عندي منصبا لا يتجزأ ، بل يجوز ان يقال للعالم بمنصب الاجتهاد في بعض الأحكام دون بعض.
فمن عرف طريق النّظر القياسي فله ان يفتي في مسألة قياسية ، وإن لم يكن ماهرا في علم الحديث ، فمن ينظر في مسألة المشتركة يكفيه ان يكون فقيه النّفس ، عارفا بأصول الفرائض ومعانيها ، وإن لم يكن قد حصل الأخبار التي وردت في مسألة تحريم المسكرات أو في مسألة النكاح بلا ولي ، فلا استمداد لنظر هذه المسألة منها ، ولا تعلق لتلك الأحاديث بها ، فمن أين تصير الغفلة عنها أو القصور عن معرفتها نقصا؟ ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذمي وطريق التصرف فيه ، فما يضره قصوره عن علم النحو الّذي يعرف قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(٢)؟ وقس عليه ما في معناه.
وليس من شروط المفتي ان يجيب عن كل مسألة ، فقد سئل مالك رحمهالله عن أربعين مسألة ، فقال في ستة وثلاثين منها : لا أدري ، وكم توقف الشافعي رحمهالله بل
__________________
(١) كفاية الأصول : ص ٥٣٠.
(٢) سورة المائدة : الآية ٦.