القضايا المحسة ، فإن التفاوت فيها ينعدم أو يقل عادة لتقارب الناس في إدراك أولياتها ، وفي اشتمالهم على قواها المدركة نوعا ، وما أكثر ما اتفق العقلاء في آرائهم المحمودة على الكثير من القضايا ، فهذه الشبهة اذن لا تستند على أساس لعدم المانع العقلي من الاتفاق في بعض الوقائع أو القضايا ولو على سبيل الموجبة الجزئية.
ولكن الكلام كل الكلام ـ بعد فرض إمكان الاتفاق ـ في وقوعه والطرق إلى إثبات ذلك.
ودعاوى الوقوع كثيرة على ألسنة الفقهاء ، ولهم إلى إثبات ذلك طريقان :
أولاهما : تحصيل الإجماع بالمباشرة ، وبحثوا هذه الطريق فيما أسموه ب :
الإجماع المحصل :
و «هو ما ثبت واقعا وعلم بلا واسطة النقل» كما جاء في تعريفه لدى المحقق الكاظمي (١) ، وأراد بهذا التعريف ان يتولى المجتهد نفسه مئونة البحث عن هؤلاء المجمعين والتعرف على هوياتهم وآرائهم في المسألة التي يريد معرفة حكمها حتى يحصل له العلم بالاتفاق على الحكم.
وقد نوقش هذا الإجماع من وجهة صغروية ، وأهم ما جاء في مناقشته ما عرضه الشوكاني في تعبيره عن وجهة نظر المنكرين لإمكانه بقوله : «قالوا لا طريق لنا إلى العلم بحصوله ، لأن العلم بالأشياء إما ان يكون وجدانيا أو لا يكون وجدانيا ، أما الوجداني فكما يجد أحدنا من نفسه من جوعه وعطشه ولذته وألمه ، ولا شك أن العلم باتفاق أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس من هذا الباب.
وأما الّذي لا يكون وجدانيا فقد اتفقوا على أن الطريق إلى معرفته لا مجال
__________________
(١) كشف القناع عن وجوه حجية الإجماع : ص ٤.