وقوله تعالى : (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ)(١).
ولكن ليس في هذه المواقع التي عرضها ما يصرح بأن التحريم فيها جميعا انما كان من أجل كونها وسيلة إلى الغير لا لمفاسد في ذاتها توجب لها التحريم النفسيّ ، كضربهن بأرجلهن والنّظر إلى الأجنبية ، وهكذا ...
وإذا شككنا في كون الحرمة نفسية أو غيرية ، فمقتضى إطلاقها انها نفسية ، لأن الحرمة الغيرية مما تحتاج إلى بيان زائد ، ومع عدمه وهو في مقام البيان فالظاهر العدم.
على أنا لا نمنع أن يتخذ الشارع احتياطات لبعض ملاكات أحكامه التي يحرص أن لا يفوتها المكلف بحال ، فيأمر أو ينهى عن بعض ما يفضي إليها تحقيقا لهذا الغرض ، إلا أن ذلك لا يتخذ طابع القاعدة العامة ، ولعل الكثير من الأمثلة التي ذكرها منصبة على هذا النوع.
ويكفينا أن لا يكون في هذه الأمثلة من التعليلات ما يصلح لأن يتمسك بعمومه أو إطلاقه لتحريم جميع المقدمات التي تقع في طريق المحرمات ، مهما كان نوعها ، وليس علينا إلا ان نتقيد بخصوص هذه المواقع التي ثبت لها التحريم.
أدلتها من العقل :
وعمدة ما استدل به على التوافق في الحكم بين المقدمة وذيها ، ما أشار إليه ابن القيم وغيره من دعوى الملازمة بين حكم الشارع بوجوب أو حرمة شيء ، ووجوب أو حرمة وسائله وذرائعه «فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه ، فإنه يحرّمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه وتثبيتا له ومنعا أن يقرب حماه ، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم وإغراء للنفوس به ، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الآباء» (٢).
__________________
(١) سورة النور : الآية ٣١.
(٢) أعلام الموقعين : ٣ ـ ١٤٨.