والحديث صريح في عدم افتراقهما حتى يردا الحوض.
ب ـ ولأنه اعتبر التمسك بهم عاصما عن الضلالة دائما وأبدا ، كما هو مقتضى ما تفيده كلمة «لن» التأبيدية ، وفاقد الشيء لا يعطيه.
ج ـ على أن تجويز الافتراق عليهم بمخالفة الكتاب وصدور الذنب منهم تجويز للكذب على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي أخبر عن الله عزوجل بعدم وقوع افتراقهما ، وتجويز الكذب عليه متعمدا في مقام التبليغ والإخبار عن الله في الأحكام وما يرجع إليها من موضوعاتها وعللها مناف لافتراض العصمة في التبليغ ، وهي مما أجمعت عليها كلمة المسلمين على الإطلاق حتى نفاة العصمة عنه بقول مطلق.
يقول الشوكاني بعد استعراضه لمختلف مبانيهم في عصمة الأنبياء : «وهكذا وقع الإجماع على عصمتهم بعد النبوة من تعمد الكذب في الأحكام الشرعية لدلالة المعجزة على صدقهم ، وأما الكذب غلطا فمنعه الجمهور ، وجوّزه القاضي أبو بكر» (١).
ولا إشكال أن الغلط لا يتأتى في هذا الحديث لإصرار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على تبليغه في أكثر من موضع وإلزام الناس بمؤداه ، والغلط لا يتكرر عادة. على ان الأدلة العقلية على عصمة النبي ، والتي سبقت الإشارة إليها ، من استحالة الخطأ عليه في مقام التبليغ ـ وكلما يصدر عنه تبليغ ـ كما يأتي ، تكفي في دفع شبهة القاضي أبي بكر ، وتمنع من احتمال الخطأ في دعواه عدم الافتراق.
٢ ـ لزوم التمسك بهما معا لا بواحد منهما منعا من الضلالة :
لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه : «ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا» ولقوله : «فانظروا كيف تخلفونني فيهما ، وأوضح من ذلك دلالة ما ورد في رواية الطبراني في تتمتها : «فلا
__________________
(١) إرشاد الفحول : ص ٣٤.