نعرف من يذهب إلى القول به من المسلمين على الإطلاق ، وقد نسب ذلك على ألسنة بعض المشايخ إلى المعتزلة ، ففي مسلّم الثبوت «لا حكم إلا من الله تعالى بإجماع الأمة ، لا كما في كتب بعض المشايخ ان المعتزلة يرون ان الحاكم هو العقل ، فان هذا مما لا يجترئ عليه أحد ممن يدعي الإسلام» (١).
وفي محيط الزركشي «ان المعتزلة لا ينكرون ان الله هو الشارع للأحكام والموجب لها ، والعقل عندهم طريق إلى العلم بالحكم الشرعي» (٢) نعم هناك مدركات عقلية لا تكشف عن حكم شرعي لاستحالة جعله من قبله وستأتي الإشارة إليها.
والخلاف الّذي وقع في الحقيقة انما هو في قابلية العقل لإدراك الأحكام الشرعية من غير طريق النقل ، أي ان الخلاف واقع في خصوص المستقلات العقلية لا غير ، ولإيضاح هذا الجانب نعرض المسألة بشيء من الحديث.
تقسيم المدركات العقلية :
لقد قسموا مدركات العقل إلى : مستقلة وغير مستقلة ، وأرادوا بالمستقلة ما تفرد العقل بإدراكه لها دون توسط بيان شرعي ، ومثلوا له بإدراك العقل الحسن والقبح المستلزم لإدراك حكم الشارع بهما ، وفي مقابلها غير المستقلة وهي التي يعتمد الإدراك فيها على بيان من الشارع ، كإدراكه وجوب المقدمة عند الشارع بعد اطلاعه على وجوب ذيها لديه ، أو إدراكه نهي الشارع عن الضد العام بعد اطلاعه على إيجاب ضده ، إلى ما هنالك مما ذكروه من الأمثلة وأكثرها موضع نقاش.
والظاهر ان ما يدركه العقل من اللوازم على اختلافها من بينة بالمعنى الأخص
__________________
(١) مباحث الحكم عند الأصوليين : ١ ـ ١٦٢ وما بعدها.
(٢) المصدر السابق.