ذلك ان الصدق يكون قبيحا في هذا المقام» (١).
والجواب على هذا يدعونا ان نتحدث قليلا في واقع هذا القسم من الحسن والقبح وموقعه من الذاتيّة وعدمها ليتضح لنا الجواب على هذا الاستدلال.
ذاتية الحسن والقبح وعدمها :
ذكرنا فيما سبق ان للحسن والقبح بالمعنى الثالث ـ أعني إدراك العقلاء بأن هذا الشيء مثلا مما ينبغي ان يفعل ـ مناشئ تعود في واقعها إلى الحسن والقبح بمعنييهما السابقين ، أعني الكمال والنقص أو الملاءمة وعدمها.
ونسبة هذه المناشئ إلى الحسن والقبح بالمعنى الثالث تختلف من حيث ما لها من قابلية في التأثير ، ويمكن تقسيمها استنادا لهذا السبب إلى ثلاثة أقسام :
أولها : ما كان علة تامة في التأثير «ويسمى الحسن والقبح فيه بالذاتيين مثل العدل والظلم ، فان العدل بما هو عدل لا يكون إلا حسنا أبدا ، أي أنه متى ما صدق عنوان العدل فانه لا بد ان يمدح عليه فاعله عند العقلاء ويعد عندهم محسنا ، وكذلك الظلم بما هو ظلم لا يكون إلا قبيحا ، أي انه متى ما صدق عنوان الظلم ، فان فاعله مذموم عندهم ويعد مسيئا» (٢).
ثانيها : ما فيه اقتضاء التأثير ، أي لو خلي وطبعه لكان مؤثرا ، ومثاله الصدق والكذب ، فالصدق بما هو صدق فيه اقتضاء التأثير في إدراك العقلاء بأنه مما ينبغي ان يفعل ويمدحون فاعله عليه ، بخلاف الكذب فإنه مذموم لديهم ، ولكن هذا التأثير لا يتم عادة مع وجود مزاحم له يمنع من تأثيره نظرا لأهميته ، كأن يكون في الصدق ما يوجب قتل النّفس المحترمة ، أو انتهاك عرض ، أو تسلط ظالم على مؤمن ، وهكذا.
__________________
(١) مباحث الحكم عند الأصوليين : ١ ـ ١٦٩.
(٢) أصول الفقه للمظفر : ٢ ـ ٢٤.