والجواب على هذا : ان العقول بما هي عقول لا تتفاوت في إدراكاتها وانما يقع التفاوت بين الناس بتأثير الهوى والغرض والمؤثرات الأخرى.
والمدركات العقلية المدعاة هي التي يتطابق عليها العقلاء بما أنهم عقلاء ، ومع فرض تطابقهم من حيث كونهم عقلاء ، فانه لا مسرح لافتراض الهوى والغرض والمؤثرات الأخرى ، والا للزم الخلف.
وما أكثر ما تتطابق آراء العقلاء على شيء ، وأمثلتها من العقل النظريّ كثيرة كالأوليات التي عرضناها في مبحث أصول الاحتجاج ، وكون الكل أكبر من الجزء ، ومن العقل العملي إدراكهم لحسن النظام وقبح الفوضى ، وحسن الاستقامة في السلوك وقبح الاستهتار والتعدي على الآخرين. إلى عشرات أمثالها.
ودليل تطابق العقلاء فيها اننا لا يمكن ان نتصور أمة من الأمم مهما كان شأنها من البداءة أو التحضر تستطيع ان تتبنى في دساتيرها الفوضى والكذب والاستهتار كمبدإ من مبادئ الدولة.
وأظن ان المستدل قد اختلطت عليه الكبريات العقلية بمجالات تطبيقها فوقع فيما وقع فيه من الخلط.
والظاهر ان تأثير الهوى والغرض والمؤثرات الأخرى انما يكون في الغالب في مجالات التطبيق والتماس الصغريات لحكم العقل ، وبها يكون الاختلاف ، ولعل إدراك الكثير من هذه الصغريات يكون بقوى أخرى غير العقل وبخاصة إذا كانت جزئية لأن العقل لا يدرك غير الكليات.
٢ ـ قولهم : «لو كان الحسن والقبح من الصفات الذاتيّة لكان ذلك مطردا فيه ولما تخلف عنه ، بل يبقى الفعل حسنا دائما أو قبيحا دائما ، والواقع غير ذلك ، لأن الكذب قد يكون قبيحا وقد يكون حسنا ، بل يكون واجبا إذا ترتب عليه خير محقق كإنقاذ بريء من يد سلطان جائر ، أو من يد ظالم له بطش ونفوذ ، ويقابل