لا جعل شرعي ليفكر في كيفية الجمع بينه وبين الحكم الواقعي.
وعلى هذا فالحكم الواقعي باق على واقعه ، أقصاه أن باعثيته موقوفة على وصوله بإحدى الطرق السابقة ذاتية أو مجعولة ، ومع عدم الوصول والشك فيه يلجأ إلى إحدى تلكم الوظائف لرفع الحيرة والتماس المؤمّن.
ومن هنا يتضح الفارق بين الحكم والوظيفة ، كما يتضح سر تقسيمهم للحكم بمعناه العام إليهما.
الفرق بين الحكم والوظيفة الشرعية :
فالوظيفة ليس فيها نظر إلى الواقع أصلا ، وجعلها لا يستند إلى مصلحة أو مفسدة في المؤدّى ، وانما يستند إلى مصلحة في نفس الجعل ، وهي مصلحة التيسير أو المحافظة على الحكم الواقعي ، بخلاف الحكم فانه تابع للمؤدّى ، فإن كان فيه مصلحة ملزمة أو مفسدة كذلك ، كان الحكم تبعا لذلك إلزاميا ، وان كانت المصلحة أو المفسدة غير ملزمة جعلت الكراهة أو الاستحباب ، ومع خلوّها عنهما أو تساويهما جعلت الإباحة.
والوظيفة وإن التقت أحيانا بالوجوب أو الحرمة كما في قاعدة الاحتياط ، أو بالحكم الترخيصي كما في البراءة ، إلا أن الفارق بينهما فارق جذري لتوفر الحكم على متابعة الواقع بخلاف الوظيفة ، فما ورد عن بعض الأساتذة من اعتبار البراءة إباحة شرعية لا يعرف له وجه ما دامت الإباحة وليدة خلو الواقع عن المصلحة والمفسدة معا ، أو وجودهما وتساويهما من حيث الأهمية ، والبراءة الشرعية ليست ناظرة إلى الواقع أصلا ، وربما كان فيه مصلحة ملزمة أو مفسدة كذلك ، فكيف يقال برجوعها إليها؟
وعلى هذا فالوظيفة ليست من سنخ الأحكام التكليفية ، وإنما هي من سنخ الأحكام الوضعيّة المجعولة بنفسها من قبل الشارع لغرض التيسير على العباد ورفع الحيرة عنهم.