ثالثها : الشهرة في الفتوى.
ومضمونها انتشار فتوى ما بين الفقهاء انتشارا يكاد يكون مستوعبا دون ان يعلم لها أي مستند.
وقد استدلوا على حجيتها بأدلة ثلاثة : الكتاب ، والسنّة ، والقياس.
أدلتهم من الكتاب :
وأهمها التعليل الوارد في آية النبأ السابقة (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١) حيث ركزت الآية في وجوب التبيّن على التعليل بإصابة قوم بجهالة ، ومقتضى ذلك دوران هذا الحكم مدارها وجودا وعدما ، وبما أن الاستناد إلى الشهرة الفتوائية لا يعد من الجهالة والسفه ، فلا يجب التبيّن معه في هذا الحال وهو معنى حجيته.
والجواب على ذلك : أن دوران حكم مع علة ما وجودا وعدما لا يكون إلا مع فرض انحصار العلة ، ولا دليل على انحصارها في أمثال هذه التعابير ، فإذا قال الشارع ـ مثلا ـ : حرّمت الخمرة لإسكارها ، فغاية ما يدل عليه هذا التعبير تعميم العلة في الحرمة إلى غير الخمر من المسكرات لا ارتفاع الحرمة عن شيء عند ارتفاع الإسكار لجواز ثبوتها له لعلة أخرى كالنجاسة ، أو الغصبية ، أو غيرهما من موجبات التحريم ، وانما التزمنا بدوران التبيّن مدار خبر الفاسق وجودا وعدما في صدر الآية لدلالة مفهوم الشرط عليها لا أخذا بهذا التعليل ، فارتفاع السفاهة هنا لا يدل على ارتفاع التبيّن لجواز ثبوته بعلة أخرى غيرها.
أدلتهم من السنّة :
وهي كثيرة ، وقد وردت رواياتها في باب تعارض الخبرين كمرفوعة زرارة ،
__________________
(١) سورة الحجرات : الآية ٦.