ودعوى المحقق القمي من احتمال الاعتماد على القرائن في وقت الخطاب يدفعها إمكان الرجوع إلى الأصول العقلائية ، كأصالة عدم القرينة وأمثالها لدفع الاحتمال. على أنا نقطع ان الكتاب ـ وهو الدستور الخالد ـ لا يختص بطائفة دون طائفة ، ولا زمان دون زمان ، ليصح افتراض اعتماده على القرائن الحالية التي لا يدركها الا من قصد إفهامهم بها ، ولو فرض اختصاصه بخصوص المخاطبين لوجب قصره على من كان حاضرا عند نزول الآيات ، وهم القلة من الصحابة ، وقد لا يكون في الحاضرين عند نزول بعضها غير واحد أو اثنين ، أفنقصر الحجية على خصوص هؤلاء في كتاب أنزل لهداية جميع البشر في جميع العصور؟
٣ ـ شبهة التحريف في القرآن بالنقيصة في بعض آياته ، ومع تحكم الشبهة لا يبقى مجال لاعتماد ظواهرها ، لاحتمال دخول النقيصة على الآية التي يراد العمل بظهورها مما يعكس خلاف الظهور لو أضيف إليها ما أنقص منها.
وكان مبعث هذه الشبهة ما ورد في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث من أحاديث وروايات يتبنى أصحابها فكرة التحريف والنقص فيه ، ففي صحيح البخاري ، من خطبة لعمر بن الخطاب : «ان الله بعث محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان ان يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرّجال والنساء إذا قامت البينة ، أو كان الحبل أو الاعتراف ، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : (أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) أو : (إن كفرا بكم ان ترغبوا عن آبائكم) (١) والّذي يبدو ان هذه الخطبة لو صحت عنه كانت بعد ان جاءهم بهذه
__________________
(١) صحيح البخاري : ٨ ـ ١٦٩ ، كتاب الحدود ، الحديث : ٦٣٢٨.