وعلى هذا فدلالة الروايات وافية ، ولنا من إطلاقها وشمولها ـ لجميع أقسام الاستصحاب سواء كان المشكوك فيه هو الحكم أم موضوعه ، وسواء كان سبب اليقين بالحكم الشرعي الدليل العقلي أم غيره ـ ما يكفي لإلغاء جميع هذه التفصيلات وغيرها مما ذكروه ، والمقياس في جريان الاستصحاب وعدمه هو توفر الأركان السابقة التي انتزعناها جميعا من مضمون هذه الروايات وعدمها وهو الأساس ، والمنطلق للفصل في جميع ما يتصل بعوامل الخلاف التي ذكروها.
وعلى أساس من هذا المقياس سنثير الحديث في عدة من المسائل المهمة ونحاول تقييمها بعد عرض وجهات نظرهم في ذلك.
١ ـ الأصل المثبت :
ويراد بالأصل المثبت : الأصل الّذي تقع فيه الواسطة غير الشرعية ـ عقلية أو عادية ـ بين المستصحب والأثر الشرعي الّذي يراد إثباته ، على ان تكون الملازمة بينهما ـ أعني المستصحب والواسطة ـ في البقاء فقط.
وإنما قيدناها بهذا القيد إخراجا لما كانت الملازمة فيه قائمة بينهما حدوثا وبقاء ، إذ اللازم إذ ذاك يكون بنفسه متعلقا لليقين والشك فيجري فيه الاستصحاب بلا حاجة إلى الالتزام بالأصل المثبت ، وحجيته موضع اتفاق.
ومثاله ما لو علمنا بوجود الكر في البيت ولم نشخص موضعه وشككنا في ارتفاعه ، فمقتضى الاستصحاب هو بقاء الكر ، ثم فحصنا بعد ذلك فوجدنا كمية من الماء نحتمل انها هي الكر ولم نجد غيرها ، فبمقتضى الملازمة العادية ان الكر المستصحب هو هذا الماء ، إلا أن تطبيق الكر المستصحب على الموجود خارجا ليس مما يقتضيه حكم الشارع ، وإنما اقتضته الملازمة العادية أو العقلية ـ بحكم عدم عثورنا على غيره ـ فتطبيق أحكام الكر على هذا الماء إنما هو بالأصل المثبت ، أي بتوسط تطبيق الكر عليه الّذي اقتضته الواسطة غير الشرعية ، ومن