اليقين بالشك» (١).
وهذه الرواية من أهم الروايات وأصحها ، وقد اشتملت على عدة مسائل فقهية أثارها عمق الراوي ودقة نظرته (٢) ، وقد تحدث عنها الاعلام أحاديث مفصلة ، ولكنها لا تتصل بطبيعة بحثنا هذا ، وما يتصل منها بموضع الحاجة قوله عليهالسلام : في مقامين منها «فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك» وهي كبرى كلية طبقها عليهالسلام على بعض مصاديقها في المقامين.
والّذي يبدو من التعبير «فليس ينبغي» وهي كلمة لا تقال عادة في غير مواقع التأنيب أو العتب ، ولا موضع لهما هنا لو لم تكن هذه الكبرى مفروغا عنها عند الطرفين وهي من المسلمات لديهما ، كما ان التعليل فيها «لأنك كنت على يقين» وإرساله على هذا النحو من الإرسال يوحي انه تعليل بأمر مرتكز معروف ، وهو ما سبق ان استقربناه عند الاستدلال ببناء العقلاء من انه من الأمور التي يصدر عنها الناس في واقعهم صدورا تلقائيا لعل مصدره ما ذكره شيخنا النائيني من إلهام الله لهم ذلك ، أو ما عبر عنه الأستاذ خلاف بفطرة الله الناس عليها ، فهي في الحقيقة من أدلة الإمضاء لما عليه بناء العقلاء.
٢ ـ موثقة عمار عن أبي الحسن عليهالسلام : «قال : إذا شككت فابن علي اليقين ، قلت : هذا أصل؟ قال عليهالسلام : نعم» (٣).
ودلالتها على الحجية واضحة وبخاصة إذا تصورنا انه لا معنى للبناء على اليقين إلا البناء على المتيقن والتعبير ب «هذا أصل» يدل على سعة القاعدة وعدم تقيدها في الموارد التي بعثت بالسائل على الاستفسار والسؤال.
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ١ ـ ٤٢١ ، الحديث ٨ ، والاستبصار : ١ ـ ١٨٣ ، الحديث : ١٣.
(٢) لزرارة صاحب هذه الرواية صحيحتان أخريان تجريان بهذا المستوى والعمق من كثرة التفرعات في الأسئلة وقوة الدلالة على حجية الاستصحاب ، راجع : مصباح الأصول : ص ٤٩ ـ ٥٠. (المؤلف).
(٣) وسائل الشيعة : ٨ ـ ٢١٢ ، الحديث ١٠٤٥٢ ، راجع : مصباح الأصول : ص ٦٤.