الشرعية وكذلك وجوب المعرفة ، وهذا الوجوب عند الأشاعرة وجوب شرعي حسب دعواهم ، فنقول لهم : من أين يثبت هذا الوجوب؟ لا بد ان يثبت بأمر من الشارع ، فننقل الكلام إلى هذا الأمر لهم : من أين تجب طاعة هذا الأمر؟ فان كان هذا الوجوب عقليا فهو المطلوب ، وان كان شرعيا أيضا فلا بدّ له من أمر ولا بد له من طاعة ، فننقل الكلام إليه. وهكذا نمضي إلى غير النهاية ولا نقف حتى ننتهي إلى طاعة وجوبها عقلي لا تتوقف على أمر الشارع. وهو المطلوب.
بل ثبوت الشرائع من أصلها يتوقف على التحسين والتقبيح العقليين ، ولو كان ثبوتها من طريق شرعي لاستحال ثبوتها لأنا ننقل الكلام إلى هذا الطريق الشرعي فيتسلسل إلى غير النهاية ، والنتيجة ان ثبوت الحسن والقبح شرعا يتوقف على ثبوتهما عقلا» (١).
وخير ما يستدل به على أصل المبنى هو البداهة العقلية ، وكل شبهة في مقابلها فهي شبهة في مقابل البديهة ، وقد رأيت مثار الشبهة لدى الأشاعرة فيما عرضوه من دليل وعرفت الجواب عليه ، وما أحسن ما قاله الشوكاني بعد عرضه لأدلتهم ، وبالجملة «فالكلام في هذا البحث يطول ، وإنكار مجرد إدراك العقل لكون الفعل حسنا أو قبيحا مكابرة ومباهتة» (٢).
حجيته :
وإذا صح ما عرضناه من إمكان إدراك العقل للحسن والقبح ـ بما أنه عقل ـ الملازم لإدراكه ـ لتطابق العقلاء عليه ـ بعد تأدبه بذلك ـ بما فيهم سيدهم ـ فقد أدركنا قطعا حكم الشارع فيها ، وليس وراء القطع حجة كما سبق التأكيد على ذلك ولا حاجة لإعادة الكلام فيه. وبهذا يتضح الجواب على :
__________________
(١) أصول الفقه : ٢ ـ ٢٩.
(٢) إرشاد الفحول : ص ٩.