الأحكام ، وهي مستمرة على «جريان ذلك إلى زمن النبي عليه الصلاة والسلام ، مع علمه به وتقريره لهم عليه» (١).
والّذي أتصوره أن أصلا هذه حججه وأدلته لا يستحق ان يعطى له أهمية كالتي أعطاها له مالك حين قال : «الاستحسان تسعة أعشار العلم» اللهم إلا ان يريد به معناه السليم من تقديم دليل على دليل.
نفاة الاستحسان وأدلتهم :
أما نفاة الاستحسان فأظهرهم الشافعي ، وقد علل وجهة نظره بقوله : «أفرأيت إذا قال المفتي في النازلة ليس فيها نصّ خبر ولا قياس ، وقال : استحسن ، فلا بدّ أن يزعم أن جائزا لغيره ان يستحسن خلافه فيقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن ، فيقال في الشيء الواحد بضروب من الحكم والفتيا ، فإن كان هذا جائزا عندهم فقد أهملوا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا ، وإن كان ضيقا فلا يجوز أن يدخلوا فيه» (٢).
ومثل هذا الكلام غريب على الفن لانتهائه ـ لو تم ـ إلى حظر الاجتهاد مطلقا ، مهما كانت مصادره ، لأن الاختلاف واقع في الاستنباط منها ، إلا نادرا ، ولا خصوصية للاستحسان في ذلك.
وإذن فمتى جاز لحاكم أن يجتهد ، فقد أجاز لغيره أن يجتهد ، وعندها ينتهي الأمر إلى ضروب من الأحكام والفتاوى المختلفة ، ولازم ذلك أن نمنع الاجتهاد بجميع مصادره ، وهو مما لا يمكن أن يلتزم به مثله ، بالإضافة إلى وروده عليه نقضا في اجتهاده بمنع الاستحسان مثلا ، إذ يقال له : إذا أجزت لنفسك الاجتهاد في منعه ، فقد أجزت لغيرك أن يجتهد في تجويزه ، فيلزم الاختلاف في الشيء
__________________
(١) الأحكام للآمدي : ٣ ـ ٣٨.
(٢) فلسفة التشريع الإسلامي : ص ١٧٤ وما بعدها.