١ ـ لأن هذه الأدلة بمضمونها أعم من مفاد أدلة البراءة ، لكونها شاملة للشبهات البدوية ، والشبهات في أطراف العلم الإجمالي ، والشبهات بعد الفحص ، بينما لا تشمل أدلة البراءة الشبهات قبل الفحص لتقيد أدلتها به ـ كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مبحث الاستصحاب ـ كما لا تشمل الشبهات في أطراف العلم الإجمالي لما يأتي من قصورها عن ذلك.
فهي مختصة إذن بالشبهات بعد الفحص ، ومقتضاه تقديمها على أدلة الاحتياط بالتخصيص بما انطوت عليه من إطلاق وشمول للشبهات التحريمية بعد الفحص.
على أن في أدلة البراءة ما هو صريح الدلالة على الشبهات التحريمية بالخصوص ، كرواية : «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» (١) وهي أخص من أدلة الاحتياط فتقدم عليها.
على أن الّذي يستفيده الغزالي (٢) من جريان استصحاب براءة الذّمّة الثابتة قبل بعثة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يوجب إخراج أكثر الشبهات موضوعا من هذه الأدلة ، لأن أكثر الشبهات إنما تنشأ من الشك في توجه تكاليف من الشارع بها ، فإذا كان عندنا استصحاب يثبت عدم التكليف بها ، فلا شبهة فيها أصلا.
ولكن الإشكال في جريان مثل هذا الاستصحاب ، وقد مرت الإشارة إلى مناقشته في البحوث السابقة.
وربما استدل لهم على وجوب الاحتياط فيها بالقاعدة المعروفة :
الأصل في الأشياء الحظر :
على أن يتغاضى عما قربت به من أن المراد منها أن الأشياء محكومة بالحظر قبل
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٦ ـ ٢٨٩ ، أبواب القنوت ، باب جواز القنوت بغير العربية مع الضرورة ، ح ٣.
(٢) المستصفى : ١ ـ ١٢٧.