فالمجتهد ـ بالطبع ـ مسئول في الدرجة الأولى عن التماس الحكم الواقعي من أدلته الكاشفة له ، فإن أعياه العثور عليه لجأ إلى الواقع التنزيلي لالتماسه من أصوله وقواعده ، فإن أعياه ذلك لجأ إلى التماس الوظيفة الشرعية من أدلتها ، فإن لم يعثر عليها التجأ إلى ما يقرره العقل من وظائفه ، فإذا غمّ عليه مع ذلك كله كان عليه الرجوع إلى القرعة على قول.
فمراحل البحث لدى المجتهد إذن خمسة :
١ ـ مرحلة البحث عن الحكم الواقعي والأصول التي يرجع إليها أو إلى بعضها الفقهاء حسب استقرائنا لها من كتب الفقه والأصول هي : الكتاب ، السنة ، الإجماع ، دليل العقل ، القياس ، الاستحسان ، المصالح المرسلة ، سد الذرائع ، العرف ، مذهب من قبلنا ، مذهب الصحابي.
٢ ـ مرحلة البحث عن الحكم الواقعي التنزيلي وأهم أصوله : الاستصحاب. أما الأصول التنزيلية الأخرى كأصالة الصحة ، وقاعدتي التجاوز والفراغ ، فالذي يغلب على إنتاجها الحكم الجزئي ، لذلك آثرنا تأجيل الحديث فيها إلى الكتاب اللاحق.
٣ ـ مرحلة البحث عن الوظيفة الشرعية ، وأصولها هي : البراءة الشرعية ، الاحتياط الشرعي ، التخيير الشرعي.
٤ ـ مرحلة البحث عن الوظيفة العقلية ، وأصولها : البراءة العقلية ، الاحتياط العقلي ، التخيير العقلي.
٥ ـ مرحلة تعقد المشكلة وعدم التمكن من العثور على أدلة الحكم أو الوظيفة بأقسامها ، والأصول التي يرجع إليها عادة هي القرعة بعد تمامية دليلها ودلالتها.
وهذا الترتيب في وظائف المجتهد ـ عند إعمال ملكته ـ هو الترتيب الطبيعي عادة ، وقد اقتضته طبيعة أدلة هذه الأصول وتقديم بعضها على بعض.