بالحكم الواقعي مع قيام الدليل القطعي على اعتباره.
وعلى هذا فالقطع في الحجية لا ينافي الظنّ بالحكم الواقعي ، ولا شك بأن الشارع بعد تبنيه لحجية خبر الواحد مثلا ، وقيام الدليل القطعي عليه ، فانه ينجز ما قام عليه من الأحكام عند من قام لديه ، ويلتمس المعذرية له لو خالف الحكم الواقعي باتباعه له.
ومن هنا يتّضح معنى قولهم : إن العلم مقوم للحجية وان الشك في الحجية كاف للقطع بعدمها ، لأن الشاك في الحجية قاطع بعدم المعذّرية والمؤمّنية لو سلك هذه الطريق المشكوكة ، وكانت لله عليه الحجة البالغة لو ساءله : على أي شيء ارتكزت في سلوكك هذا وخالفت واقع ما أمرت به؟ وكيف نسبت إليّ مع عدم تأكدك مضمون ما شككت بحجيته؟ (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)(١).
(٤)
وبهذا فقد تحدد موقفنا مما سنعرضه من المباني العامة والقواعد الأصولية ، أو ما سنعرضه من المسائل الفقهية في هذا المدخل وغيره من كتبنا اللاحقة إن شاء الله تعالى.
فالقطع بالحجية اذن هو أساس جميع الأدلة ، وعلى ركائزه تقوم دعائم الموازنة والتقييم وإصدار الحكم ، فكل دليل أنهى إلى القطع بمؤدّاه ، أو قام دليل قطعي على جعل الطريقية أو جعل الحجية له فهو الملزم للجميع ، وكل ما لا يكون كذلك فهو ليس بدليل.
ولا يكون القطع ملزما للجميع حتى ينتهي الحديث فيه إلى إحدى تلك
__________________
(١) سورة يونس : الآية ٥٩.