خلاف في صحته وأعماله ، وإن شهد الشرع بردّه كان لا سبيل إلى قبوله ، ويكون الحكم الّذي يربط به ويقوم عليه لا سبيل إلى قبوله» (١). ويقول الخضري من المتأخرين : «أما الأصولية ككون الإجماع والقياس وخبر الواحد حجة ، فهذه مسائل أدلّتها قطعية» (٢) ، وقال غيرهما نظير هذا القول مما يكاد يكون صريحا بعدم أخذهم بالدليل ما لم تلتمس له الحجية من الشارع أو العقل الموجبة للقطع بلزوم اتباعها ، وسيأتي ما يؤيد ذلك عند ما نعرض أدلتهم على الأمارات والأصول ومناقشاتهم لهذه الأدلة.
نعم هناك ما يشعر بخلاف ذلك من كلماتهم ، وبخاصة ما ورد منها في تعريف الاجتهاد ، أمثال تعريف الآمدي له : «باستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النّفس العجز عن المزيد عليه» (٣).
واستدراكهم على من أخذ العلم بالأحكام في تعريفه بأن أكثر الأحكام مما قام عليها دليل ظني ، وأن بعض مقدمات القياس المنطقي إذا كانت ظنية كانت النتيجة تبعا لذلك ظنية ، لأن النتائج تتبع أخس المقدمات ، إلى أمثال ذلك من المناقشات.
وأظن أن هذه المناقشات لا تنافي ما استظهرناه من إطباقهم على اعتبار القطع في كل حجة ، والخلاف بينهم هنا أقرب إلى الخلاف الشكلي.
فالقائلون باعتبار العلم بالأحكام في تعريف الاجتهاد لا يريدون به العلم بالأحكام الواقعية ، وانما يريدون به العلم بالحكم الفعلي وهو أعم من كونه واقعيا أو ظاهريا.
والقائلون باعتبار الظن لا يريدون به الظن بالحكم الفعلي ، وإنما أرادوا به الظن
__________________
(١) الإسلام ومشكلاتنا المعاصرة : ٢٦ نقلا عنه.
(٢) أصول الفقه : ٣٦٦.
(٣) الأحكام : ٣ ـ ١٣٩.