على صدورها هو إدراك المصالح من قبلهم ، والسيرة مجملة لا لسان لها لنتمسك به ، وغاية ما يمكن ان تدل عليه هو حجية نفس ما قامت عليه من أفعال لو كانت مثل هذه السير من الحجج التي يركن إليها لا حجية مصادرها المتخيلة ، على أن هذه التصرفات ـ كما سبقت الإشارة إليها ـ جار أكثرها على مخالفة النصوص لأمور اجتهادية لا نعرف اليوم عواملها وبواعثها الحقيقية ، وفيما سبق عرضه في مبحث القياس ما يغني عن إطالة الحديث.
الاستدلال بحديث لا ضرر :
وقد تبناه الطوفي وقرب دلالته ـ بعد أن أطال الحديث في سنده ـ بقوله : «وأما معناه فهو ما أشرنا إليه من نفي الضرر والمفاسد شرعا ، وهو نفي عام إلا ما خصصه الدليل ، وهذا يقتضي تقديم مقتضى هذا الحديث على جميع أدلة الشرع ، وتخصيصها به في نفي الضرر وتحصيل المصلحة لأنا لو فرضنا أن بعض أدلة الشرع تضمن ضررا ، فإن نفيناه بهذا الحديث كان عملا بالدليلين ، وان لم ننفه به كان تعطيلا لأحدهما وهو هذا الحديث ، ولا شك أن الجمع بين النصوص في العمل بها أولى من تعطيل بعضها» (١).
ويقول : «ثم ان قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا ضرر ولا ضرار ، يقتضي رعاية المصالح إثباتا والمفاسد نفيا إذ الضرر هو المفسدة ، فإذا نفاها الشرع لزم إثبات النّفع الّذي هو المصلحة لأنهما نقيضان لا واسطة بينهما» (٢).
والّذي يرد على هذا الاستدلال :
١ ـ اعتقاده أن نسبة هذا الحديث إلى الأدلة الأولية هي نسبة المخصص مع ان من شرائط المخصص ان يكون أخص مطلقا من العام ليصح تقديمه عليه ، وقد سبق
__________________
(١) رسالة الطوفي : ص ٩٠.
(٢) المصدر السابق : ص ٩١.