طوارئ شرعوا لها ما رأوا أن فيه تحقيق المصلحة ، وما وقفوا عن التشريع لأن المصلحة ما قام دليل من الشارع على اعتبارها ، بل اعتبروا ان ما يجلب النّفع أو يدفع الضرر حسبما أدركته عقولهم هو المصلحة ، واعتبروه كافيا لأن يبنوا عليه التشريع والأحكام ، فأبو بكر جمع القرآن في مجموعة واحدة ، وحارب مانعي الزكاة ، ودرأ القصاص عن خالد بن الوليد ، وعمر أوقع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة ، ووقف تنفيذ حد السرقة في عام المجاعة ، وقتل الجماعة في الواحد ، وعثمان جدد أذانا ثانيا لصلاة الجمعة ...» (١).
والغريب ان تنزل هذه التصرفات وأمثالها على القياس تارة والاستحسان أخرى والمصالح ثالثة ، وتعتبر على ألسنة البعض أدلة عليها ، وما أدري هل تتسع الواقعة الواحدة لمختلف هذه الأدلة مع تباينها مفهوما أم ما ذا؟!
ومهما يكن فإن النقاش في هذا النوع من الاستدلال واقع صغرى وكبرى.
أما الصغرى فلعدم إمكان تكوين سيرة لهم من مجرد نقل أحداث عن أفراد منهم يمكن ان تنزل على هذا الدليل أو ذاك ، ومن شرائط السيرة ان يصدر المجموع عنها في سلوكهم الخاصّ ، وكذلك لو أريد من هذا الدليل إجماعهم السكوتي على ذلك بالتقريب الّذي ذكروه بالقياس ، والّذي عرفت ـ فيما سبق ـ مناقشته.
أما إذا أريد الاستدلال بتصرفاتهم الفردية فهي لا تصلح للدليلية على أي حال لعدم الإيمان بعصمتهم أولا ، واجتهادهم لا يتجاوز في حجيته أنفسهم ومن يرجع إليهم بالتقليد.
وأما المناقشة في الكبرى فلعدم حجية مثل هذه السيرة أو الإجماع على أمثال هذه الأدلة ، لأن هذه التصرفات غير معللة على ألسنتهم ، وما يدرينا أن الباعث
__________________
(١) مصادر التشريع : ص ٧٥.