الرّأي والاستقامة في السلوك ، وهم لا يهادنون على ظلم ولا يصبرون على مفارقة ، فأرادت قطع الطريق على تكوين أمثالهم بإماتة الحركة الفكرية من أساسها ، وذلك بسدها لأهم منبع من منابعها الأصيلة وهو الاجتهاد.
أدلة حجيته :
والغريب ان نجد في المتأخرين عن ذلك العصر من يحاول التبرير الشرعي لجملة هذه التصرفات ، بالتماس أدلة توجب هذا الحظر وتلزم باستمراره.
يقول صاحب الأشباه : «الخامس مما لا ينفذ القضاء به : ما إذا قضى بشيء مخالف للإجماع وهو ظاهر ، وما خالف الأئمة الأربعة مخالف للإجماع ، وإن كان منه خلاف لغيره ، فقد صرح في التحرير ان الإجماع انعقد على عدم العمل بمذهب مخالف للأربعة ، لانضباط مذاهبهم وكثرة أتباعهم» (١).
وقد رأينا في المتأخرين من يوافقه على هذا الحكم كالشيخ محمد عبد الفتاح العناني رئيس لجنة الفتيا في الأزهر الشريف وزملائه في اللجنة (٢).
والأدلة التي ذكرها صاحب الأشباه هي :
١ ـ الإجماع.
٢ ـ انضباط المذاهب الأربعة وكثرة أتباعهم.
١ ـ الاستدلال بالإجماع ومناقشته :
وقد نسب ابن الصلاح هذا الإجماع إلى المحققين (٣) لا إلى المجتهدين ، وهذا طبيعي لافتراضه قيام الإجماع بعد انسداد باب الاجتهاد.
وقد ناقش الشيخ المراغي (وهو من دعاة حرية الفكر) هذا الإجماع صغرى
__________________
(١) الاجتهاد في الشريعة للمراغي : ص ٣٥٧ من مجلة رسالة الإسلام : س ١ ـ ج ٣ نقلا عنه.
(٢) عبد المتعالي الصعيدي في كتابه (من أين نبدأ) : ص ١١٤.
(٣) الاجتهاد في الشريعة للمراغي : ص ٣٥٧ من رسالة الإسلام : س ١ ـ ج ٣ نقلا عنه.