الأئمة حيث عالجوا الفوضى بالجمود.
٤ ـ شيوع الأمراض الخلقية بين العلماء والتحاسد والأنانية «فكانوا إذا طرق أحدهم باب الاجتهاد فتح على نفسه أبواب التشهير به ، وحط أقرانه من قدره ، وإذا أفتى في واقعة برأيه قصدوا إلى تسفيه رأيه وتفنيد ما أفتى به بالحق وبالباطل ، فلهذا كان العالم يتقي كيد زملائه وتجريحهم بأنه مقلد وناقل ، لا مجتهد ومبتكر ، وبهذا ماتت روح النبوغ ولم ترفع في الفقه رءوس وضعفت ثقة العلماء بأنفسهم وثقة الناس بهم» (١).
وهناك عامل خامس ، كاد أن يسد باب الاجتهاد عند الشيعة الإمامية بالخصوص في القرن الخامس الهجري ، وهو عظم مكانة الشيخ الطوسي وقوة شخصيته التي صهرت تلامذته في واقعها ، وأنستهم أو كادت شخصياتهم العلمية ، فما كان أحد منهم ليجرؤ على التفكير في صحة رأي لأستاذه الطوسي أو مناقشته.
وقد قيل : ان ما خلفه الشيخ الطوسي من كتب الفقه والحديث كاد أن يستأثر في عقول الناس فيسد عليها منافذ التفكير في نقدها ما يقارب القرن (٢).
وقد كان لموقف ابن إدريس ـ وهو من أكابر العلماء لدى الإمامية ـ فضله الكبير في إعادة الثقة إلى النفوس وفسح المجال أمامها لتقييم هذه الكتب ونقدها والنّظر في قواعدها.
ولو لا موقفه المشرف إذ ذاك ، لكان الاجتهاد إذ ذاك ضحية من ضحايا التقديس والفناء في العظماء من الناس.
وهذه العوامل التي ذكرها الأستاذ خلاف ، وإن كان أكثرها لا يخلو من أصالة ، إلا انها لا تقوى على تكوين العلة التامة لهذا الحظر.
والظاهر ان سياسة تلكم العصور كانت تخشى من العلماء ذوي الأصالة في
__________________
(١) خلاصة التشريع : ص ٣٤٢.
(٢) محمود الشهابي ، مقدمة فوائد الأصول.