ثالثها : ما ليس فيه اقتضاء ولا علّية فهو فاقد للتأثير لو خلي ونفسه ، ولكنه يتقبل العناوين الأخر ، فقد يأخذ عنوانا له علية التأثير في الحسن فيكون حسنا أو القبح قبيحا ، وأكثر المباحات الشرعية من هذا القبيل ، فشرب الماء مثلا لو لوحظ بمعزل عن أي عنوان آخر قد لا يكون له التأثير في إدراك العقلاء لحسنه أو قبحه لا على نحو العلية ولا على نحو الاقتضاء ، فوجوده لدى العقلاء كعدمه ، ولكنه إذا عرض عليه عنوان إنقاذ حياة صاحبه أو عرض عليه عنوان هلاكه ، كما لو كان ممنوعا عن شربه ، يكون علة في إدراك العقلاء لحسنه أو قبحه.
وعلى هذا فمعنى «كون الحسن أو القبح ذاتيا : ان العنوان المحكوم عليه بأحدهما ، بما هو في نفسه وفي حد ذاته ، يكون محكوما به لا من جهة اندراجه تحت عنوان آخر ، فلا يحتاج إلى واسطة في اتصافه بأحدهما» (١). ومعنى العلية والاقتضاء هنا هو «أن المراد من العلية أن العنوان بنفسه هو تمام موضوع حكم العقلاء بالحسن أو القبح ، وأن المراد من الاقتضاء أن العنوان لو خلي وطبعه ، يكون داخلا فيما هو موضوع لحكم العقلاء بالحسن أو القبح ، وليس المراد من العلية والاقتضاء ما هو معروف من معناهما انه بمعنى التأثير والإيجاد ، فإنه من البديهي انه لا علية ولا اقتضاء لعناوين الأفعال في أحكام العقلاء إلا من باب علية الموضوع لمحموله» (٢).
وبهذا العرض ـ فيما اعتقد ـ يتضح الجواب على استدلالهم هذا بأنه «لو كان الحسن والقبح من الصفات الذاتيّة ، لكان ذلك مطردا» ، لأن هذا الإشكال لا يتم إلا على مبنى من يذهب إلى أن الحسن والقبح لا يكونان إلا ذاتيين ـ ولست أعرف قائلا به على التحقيق ـ ومثل هذا الدليل يصلح للنقض إذا أريد إثبات
__________________
(١) أصول الفقه للمظفر : ٢ ـ ٢٥.
(٢) المصدر السابق.