الذاتيّة لهما على سبيل الموجبة الكلية. أما على ما ذكرناه من التقسيم فلا يبقى له موضوع ، والأمثلة التي ذكرها مما تنتظم في القسم الثاني ، أي ما فيه اقتضاء التأثير لا عليته.
والّذي يبدو أن المستدل ينطوي في أعماقه على الإيمان بالحسن والقبح العقليين وإن لم ينتبه لذلك تفصيلا ، وتعبيره بأن «الكذب قد يكون قبيحا وقد يكون حسنا بل يكون واجبا» من أمارات ذلك الانطواء ، وإلا فما معنى حكمه على الكذب بالقبح أو الحسن إن لم يكن هناك حسن وقبح عقليان! ٣ ـ قولهم : «لو قيل : إن الحسن والقبح عقليان للزوم أن يكون الشارع الحكيم مقيدا في تشريعه للأحكام بهذه الأوصاف وإلاّ لكان التشريع مخالفا للمعقول ، وهذا نفسه قبح ينزه الله عنه» (١).
وبطلان اللازم في هذا الكلام لا أكاد أفهم له وجها ولا أعرف السر في نسبته إلى القبح.
وما هو المحذور في ان تكون تشريعاته عزوجل جارية على وفق المعقول؟! وهل ينتظر المستدل أن يجري في تشريعه على غير المعقول مع نسبته إلى الحكمة في لسان الدليل؟
والظاهر أن لفظة التقيد التي ورد مضمونها في تعبيره هي التي أوهمته ببطلان اللازم.
وربما كان الوجه في ذلك شعوره أن طبيعة التقيد تنافي الاختيار فيمن تنسب إليه لانطوائها على ضرورة السير وفق ما تقيد به ، وفي نسبة عدم الاختيار إليه تعالى قبح ينزه عنه.
والحقيقة أن لفظة التقيد لم ترد على لسان العدلية ـ في حدود ما قرأت من
__________________
(١) مباحث الحكم : ١ ـ ١٧٠.