كلماتهم ـ وإنما ورد ما يعطي نتيجتها ، وهو السير على وفق المعقول واستحالة تخطي الشارع له.
وهذا النوع من السير والسلوك لا ينافي طبيعة الاختيار في صاحبه ، فالعاقل السوي مثلا لا يقدم على التضحية جزافا وهو مختار ، وإحجامه عنها لا ينافي اختياره بل هو بنفسه اختار ذلك الإحجام.
وبما أن الله عزوجل وهو خالق العقل وواهبه القدرة ـ بل هو العقل المحض ـ لو صح هذا التعبير ـ فسيره على وفق مخططه هو الّذي يقتضيه اختياره ، وليس من الممكن بالنسبة إليه اختيار المرجوح وترك الراجح ، بل ليس من الممكن لأي عاقل مهما كان شأنه ان يختار المرجوح وهو سليم معافى ، فكيف بخالق العقل ومدبره؟
فالالتزام بتقيده في تشريعاته على وفق العقل إن أريد به التقيد السالب للاختيار فليس بصحيح وهو تعالى مما ينزه عنه ، وإن أريد نتيجة التقيد وهو ما يقتضيه عمل العاقل المختار ، فليس فيه أي محذور.
٤ ـ قولهم : «لو لم يكن الحسن والقبح في الأفعال بحكم الشارع نفسه ، وكان بحكم العقل ، لاستحق تارك الحسن وفاعل القبح قبل بعثة الرسل العقاب ، وهذا مخالف لصريح الكتاب ، يقول الله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١) ، ويقول : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى)(٢) ، فإن احتجاج الكافرين برسالة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم على إيقاع العذاب من غير إرسال رسل ، لو فرض وقوعه ، وعدم
__________________
(١) سورة الإسراء : الآية ١٥.
(٢) سورة القصص : الآيتان ٤٧ ـ ٤٨.