النكير من الله تعالى دليل على أنه لا عقاب ولا ثواب دون إرسال الرسل كما يدل عليه قوله تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)(١)» (٢).
وللإجابة على هذا الدليل وهو من أهم أدلتهم نحتاج إلى تمهيد أمور :
١ ـ التذكير بما سبق أن ذكرناه من ان موضع الخلاف في معنى الحسن والقبح هو المعنى الثالث ، وهو إدراك العقل أن هذا الشيء مما ينبغي أن يفعل أو لا ينبغي ، ومدح الفاعل أو ذمه على ذلك.
ولازم هذا الإدراك الصادر منه ـ بما أنه عقل ـ هو تطابق العقلاء ـ بما أنهم عقلاء ـ على ذلك بما فيهم الشارع المقدس.
٢ ـ إن إدراكنا لهذا اللازم وتصديقنا به ليس هو من القضايا الضرورية ، وإنما هو من الآراء المحمودة والتأديبات الصلاحية.
والقضايا التأديبية لا يجب أن يحكم بها العقل إذا لم يتأدب بقبولها والاعتراف بها ، بخلاف القضايا الضرورية التي يكفي في الحكم بها تصور طرفيها ، ومقتضى ذلك ان الحكم بتطابق العقلاء في مسألة ما يحتاج إلى تأدب به ، ولا يجب ان يحكم به كل عاقل لو خلي ونفسه.
٣ ـ التفرقة بين مدح الشارع وذمه ـ بما أنه سيد العقلاء ـ وبين ثوابه على الفعل وعقابه ، فالذم والمدح يكفي فيهما صدور نفس الفعل من الفاعل بمنأى عن أي انتساب إلى جهة ، والثواب والعقاب لا يكفي فيهما ذلك بل يحتاجان إلى ان يكون صدور الفعل أو تركه منتسبا إلى المولى ليتحقق فيهما معنى الإطاعة أو العصيان ، وهما لا يكونان عادة بدون أن تتنجز التكاليف بالوصول ، وتوفر شرائطها بما فيها
__________________
(١) سورة النساء : الآية ١٦٤.
(٢) مباحث الحكم : ١ ـ ١٧٠. وقد آثرنا نقل أدلتهم عن هذا المصدر نظرا لوفائه بالتأدية مع يسر التعبير وسهولته (المؤلف).