القدرة على الأداء ، ومن هنا حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان واصل من المشرع.
فالثواب والعقاب ، وليدا إطاعة أو عصيان التكاليف الواصلة من المشرع ، كما هو واضح بالبداهة.
٤ ـ إن العقل وان كانت له وظيفة الإدراك ، إلاّ ان إدراكه محدد بحدود خاصة لا تتجاوز الكليات من ناحية ، ولا تعني كثيرا بمجالات التطبيق والقضايا الجزئية من ناحية أخرى.
وفي البشر قوى أخرى كالحواس والغرائز وغيرها مسئولة عن ذلك ، وهذه القوى عرضة لكثير من الأخطاء ، وكثير من تصرفاتها لا منطقية.
ومن هنا نرى كثرة الأخطاء في مجالات التطبيق لبعض المدركات العقلية ، فالعدالة مثلا مما تطابق على حسنها العقلاء ، وأقاموا عليها دساتيرهم وأنظمتهم وشرائعهم ، ولكنك لو حاولت التعرف عليها في مجالات التطبيق ، لرأيت التفاوت الكبير بينهم ، فالشيوعية ـ مثلا ـ ترى ان العدالة لا تتحقق إلا إذا ألغيت الملكية الفردية إلغاء تاما ، وعوضت بالملكية الجماعية ، بينما يرى دعاة الحرية الاقتصادية فسح المجال للفرد في ان يتملك ما يشاء ويعمل مواهبه في إنماء ملكيته دون تعرض لتحكم السلطات في شأنه ، وكل يدعي تحقيق العدل فيما تبناه من تشريعات ، وقد يكون بعضهم مخلصا في ذلك.
ولكن النظرة التجزيئية للإنسان وتركيز النّظر على بعض جوانبه الفردية أو الاجتماعية مع غفلة أو تغافل عن بقية الجوانب ، وقصور عن استيعاب النظرة وشمولها ، كل ذلك مما أوقعه بهذه التناقضات.
ومن هنا كان احتياج الإنسان إلى من يضمن له العدل في تشريعاته على أن تستوعب مختلف أبعاده المتشابكة ، سواء ما يتصل منها بتحديد علائق الفرد بربه ، أم بنفسه ، أم بمجتمعه ، أم المجتمعات بعضها ببعض.