وبالطبع ، لا يمكن أن يضمن ذلك غير خالق الإنسان ، لأن خالق الشيء أخبر بمخلوقاته ، وأعرف من غيره بمتطلبات حياتها.
فالأحكام ـ كما يقول العدلية بل جميع المسلمين على اختلاف في منشأ القول ومبناه ـ وليدة مصالح ومفاسد في المتعلقات ، والعقول لو استشرفتها واطلعت على واقعها لأقرّتها حتما.
ولكن قصورها عن ذلك الإدراك وتطفلها على ما لا تحسن القول فيه ، هو الّذي أوقع بعض أربابها في كثير من المفارقات.
ومن هنا ورد عن أهل البيت عليهمالسلام : «إن دين الله لا يصاب بالعقول» (١) أي ما ثبت أنه من الدين لا يمكن للعقول أن تدرك فلسفته ككل لقصور إمكاناتها عنها في مجالات الإدراك.
ولكن هذا لا يمنع ، من أن يدرك العقل شيئا ـ على سبيل الموجبة الجزئية ـ ومن إدراكه يدرك حكم الشارع فيه إذا كان إدراكه على سبيل القطع.
وإذا تمت هذه التمهيدات اتضح عدم الوجه في دعوى التلازم بين المقدم والتالي في قولهم : «لو لم يكن الحسن والقبح في الأفعال بحكم الشارع نفسه وكان بحكم العقل لاستحق تارك الحسن وفاعل القبح قبل بعثة الرسول العقاب». إذ لا تنافي بين القول بأن الحسن بحكم العقل وبين عدم استحقاق العقاب.
فالعقول وإن قلنا بأن لها قابلية الإدراك إلا أن إدراكها منحصر في الكليات ولا يتناول الأمور الجزئية كما لا يتناول مجالات التطبيق إلاّ نادرا ، والكليات لا تستوعب شريعة ولا تفي بحاجات البشر ، ومع ذلك فالعقاب والثواب انما يتولدان عن التكاليف الواصلة ، ومجرد إدراك العاقل أن هذا الشيء مما ينبغي ان يفعل أو لا يفعل لا يستكشف منه رأي الشارع إلا إذا انتبه إلى أن العقلاء متطابقون على
__________________
(١) بحار الأنوار للمجلسي : ٢ ـ ٣٠٣ ، الحديث ٤١.