يطرأ ما يغيره» (١).
وقد نوقش بهذه السيرة «بأن عملهم على طبق الحالة السابقة على أنحاء مختلفة : فتارة يكون عملهم لاطمئنانهم بالبقاء ، كما يرسل تاجر أموالا إلى تاجر آخر في بلدة أخرى لاطمئنانه بحياته لا للاعتماد على مجرد الحالة السابقة ، ولذا لو زال اطمئنانه بحياته ، كما لو سمع انه مات جماعة من التجار في تلك البلدة لم يرسل الأموال قطعا.
وأخرى يكون عملهم رجاء واحتياطا كمن يرسل الدرهم والدينار إلى ابنه الّذي في بلد آخر ليصرفهما في حوائجه ، ثم لو شك في حياته فيرسل إليه أيضا للرجاء والاحتياط حذرا من وقوعه في المضيقة على تقدير حياته.
وثالثة يكون عملهم لغفلتهم عن البقاء وعدمه ، فليس لهم التفات حتى يحصل لهما الشك فيعملون اعتمادا على الحالة السابقة كمن يجيء إلى داره بلا التفات إلى بقاء الدار وعدمه ـ إلى ان يقول ـ : فلم يثبت استقرار سيرة العقلاء على العمل اعتمادا على الحالة السابقة» (٢).
والظاهر ان هذه المناقشة لا تدفع وجود السيرة. وكونها جارية على وفق الاطمئنان تارة والاحتياط أخرى ، والغفلة ثالثة لا يدفع قيامها في غير المواضع المذكورة ، ولو رجع الإنسان إلى واقعة لوجد نفسه صادرا عن الاستصحابات في جل تصرفاته حتى مع الشك باستمرار الحالة السابقة وعدم الغفلة عنها ، وما هذه المواضع إلا من صغريات القاعدة.
لكن دعوى الأستاذ خلاف بأن ما فطر عليه الناس وجرى به عرفهم انهم إذا تحققوا من وجود أمر غلب على ظنهم بقاؤه ... إلخ. لا يخلو من مسامحة ، فان الّذي
__________________
(١) مصادر التشريع : ص ١٢٨.
(٢) مصباح الأصول : ص ١١.